للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما تولى المعتضد بن عباد، عقب وفاة والده القاضي محمد بن اسماعيل ابن عباد في سنة ٤٣٣ هـ، كان من أبرز أعماله القضاء على مختلف الولايات البربرية الشرقية، والجنوبية الشرقية، وهي مورون وأركش ورندة. واستولى على الجزيرة الخضراء من يد أميرها القاسم بن حمود (٤٤٦ هـ)، ثم استولى على قرمونة وأعمالها في سنة ٤٥٩ هـ (١٠٦٧ م).

وبذلك تم القضاء على سائر الإمارات البربرية المتاخمة لإشبيلية من الشرق والجنوب الشرقي، وتم تأمين جناحها الدفاعي من هذه الناحية، ولم يبق في جنوبي الأندلس من الإمارات البربرية. سوى مملكة باديس في غرناطة ومالقة.

وحاول المعتضد في نفس الوقت أن ينتزع مالقة من باديس، وسير إليها قواته بالفعل تحت إمرة ولديه جابر والمعتمد، وكادت مالقة تسقط بالفعل في أيدي المهاجمين، ولكن باديس قدم في قواته مسرعاً، فانقلبت الآية وهزم جند إشبيلية هزيمة شديدة، وفشلت المحاولة (٤٥٨ هـ) (١).

وكان المعتمد بن عباد يتابع سياسة أبيه وجده في التوجس من البربر والقضاء على سلطانهم. وكان يخشى أن تغدو مملكة غرناطة البربرية، مهبطاً للقبائل والقوات البربرية، التي تفد من وراء البحر باحثة عن طالعها وأرزاقها. هذا من ناحية العوامل المادية، وأما من ناحية العوامل الأدبية، فنستطيع أن نشير بهذه المناسبة، إلى ما كان بين العرب والبربر من خصومة قديمة مؤثلة ترجع إلى عصر الفتح ذاته، وقد شرحنا عوامل هذه الخصومة في "العصر الأول" من كتابنا. ونزيد هنا أن بني عباد، كانوا حسبما أشرنا من قبل، ينتمون إلى لخم، من أكرم وأشرف القبائل العربية، وكانوا من أهل العلم والأدب المؤثل، حماة للعلوم والآداب والفنون، يغص بلاطهم بأقطاب العصر وشعرائه، وتتمتع في ظلهم مملكة إشبيلية بحضارة زاهرة، وثقافة رفيعة. أما القبائل البربرية فلم تكن راسخة في تعاليم الإسلام، وكانت بعيدة عن العربية وثقافتها وتراثها، يؤثرون التمسك بعجمتهم وبداوتهم، وكانت قصورهم عاطلة عن ذلك الجو الفكري والأدبي، الذي تزدان به قصور الأصول العربية، وكان هذا التباين يبدو بالأخص بين بلاط غرناطة البربري، وبين بلاط إشبيلية العربي.


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٧٤ و ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>