وليل بسدِّ النهر لهواً قطعته ... بذات سور مثل منعطف البدر
نضت بردَها عن غصن بان منعم ... نضير كما انشقت الكمام عن الزهر
وباتت تسقينى المدام بلحظها ... فمن كأسها حينا وحيناً من الثغر
وكان أول عمل قام به المعتمد عقب ولايته، هو تدخله في حوادث قرطبة، حينما هددها المأمون بن ذى النون بقواته، فبعث إليه عبد الملك بن جَهْور يستنجد به، فوجه إليه الأمداد مع قائديه خلف بن نجاح ومحمد بن مرتين، وانتهى الأمر باستيلاء قوات إشبيلية على قرطبة، وفقاً لخطة سرية وضعت من قبل، وبالقضاء على دولة بني جهور، وضم قرطبة إلى مملكة إشبيلية (٤٦٢ هـ - ١٠٧٠ م). وندب المعتمد ولده عباداً الملقب بسراج الدولة لحكم المدينة. وقد فصلنا عند الكلام عن دولة بني ذى النون، كيف دبر المأمون بن ذى النون استرداد قرطبة على يد ابن عكاشة، وكيف قتل سراج الدولة ولد المعتمد مدافعاً عنها، ثم دخلها المأمون في سنة ٤٦٧ هـ (١٠٧٥ م) ثم توفي بها بعد ذلك بأشهر قلائل، وأخيراً كيف عاد المعتمد، فسار على أثر ذلك إلى قرطبة في قواته، واستولى عليها، وقتل ابن عكاشة انتقاماً لولده، وبذلك عادت قرطبة إلى مملكة إشبيلية.
على أن أهم ما شغل به المعتمد، في تلك الفترة الأولى من ولايته، هو النضال ضد مملكة غرناطة البربرية. ونحن نعرف أن الخصومة بين بني عباد وبين الإمارات البربرية قد بدأت في عصر مبكر، وقد فصلنا من قبل كيف اشتبك القاضي ابن عباد مع يحيى بن حمود المعتلي حول قرمونة، في معركة دموية قتل فيها المعتلي، واستولى ابن عباد على قرمونة، وأعطاها لصاحبها البرزالي حليفه يومئذ، وكيف نشبت الخصومة فيما بعد بين ابن عباد والبرزالي، فلما أراد ابن عباد استرداد قرمونة باعتبارها حصن إشبيلية من الشرق، وسير إليها قواته، استغاث البرزالي بإدريس المتأيد صاحب مالقة، وباديس بن حبوس صاحب غرناطة، ووقعت بين البربر وجند إشبيلية معارك طاحنة هزم فيها الإشبيليون، وقتل أميرهم إسماعيل بن عباد، وذلك في أوائل سنة ٤٣١ هـ.