للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحشة كانت تزداد على مر الأيام. وكانت الرميكية، وهي ملكة إشبيلية الأثيرة، تحتل مكانة بارزة في حياة المعتمد، وفي بلاط إشبيلية. ولزواج المعتمد بهذه المرأة الموهوبة اللامعة، التي شاطرته أيام عزه ومجده وأيام محنته، وأنجبت له أولاده الملوك، قصة تتردد بين التاريخ والأسطورة. فأما التاريخ فتقول لنا الرواية، إن المعتمد حينما كان ولياً للعهد، أيام والده المعتضد، رأى اعتماداً ذات يوم صحبة مولاها رُميك وهو من وجهاء إشبيلية، فراقت لديه، فاشتراها منه وهام بها حباً، وتزوجها. بيد أن هناك رواية أخرى أكثر طرافة، وأقرب إلى لون الأسطورة، وهي أن المعتمد كان يتنزه ذات يوم مع وزيره ابن عمار في نهر إشبيلية، وهو نهر الوادي الكبير، وهما يتبادلان طرائف الشعر، وكانت الريح قد جعلت ماء النهر أشبه بالزرد، فنظم المعتمد هذه الشطرة:

"صنع الريح من الماء زرد"

وطلب إلى ابن عمار أن يكملها، فعجز الوزير الشاعر، وكانت ترقبهما فتاة حسناء ممن يغسلن ثيابهن في النهر، فردت على الفور:

"أي درع لقتال لو جمد"

فدهش المعتمد، وأعجب ببراعة الفتاة وسرعة خاطرها، كما أعجب بحسنها وخفة روحها، وسألها إن كان لها زوج، فأجابت بالنفي، فعندئذ استدعاها إلى قصره وتزوجها (١).

وهكذا شاء القدر أن تغدو اعتماد الرميكية زوجة للمعتمد بن عباد، وأن تغدو سيدة قصر إشبيلية. ولما تولى المعتمد الملك، كانت الرميكية تحتل مكانة بارزة في البلاط، وفي الشئون، وكانت لسمو مكانتها، وتمكن نفوذها يطلق عليها لقب "السيدة الكبرى" (٢)، وكانت تشاطر زوجها هوى الشعر ونظمه، وكانت تعيش في هذا الأفق الأدبي الرفيع الذي يسيطر على بلاط إشبيلية، ويجتمع في ظله أعظم شعراء العصر، وتشترك في كثير من الأحيان في مجالس الشعر والأدب، التي كان يشغف بعقدها المعتمد، وتزدان في أحيان كثيرة بحضور زوجه الحسناء الساحرة؛ وكانت اعتماد فوق ذلك بنفوذها وحظوتها لدى المعتمد تشترك في توجيه الشئون. وكان الوزير ابن عمار، وهو يومئذ في إبان مجده


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ٤٥١.
(٢) المعجب ص ٧٧. وكان هذا اللقب يطلق على والدة المعتمد ابنة مجاهد العامري.

<<  <  ج: ص:  >  >>