ونفوذه، من أساطين هذه المجالس الأدبية، وكان يستأثر لدى المعتمد بثقته ويملك عليه كل حبه وعطفه، وكانت الرُّميكية تنظر إلى مكانته وتمكن نفوذه بعين السخط، وكان ابن عمار من جانبه يحقد عليها ويخشى بأسها وسعايتها؛ واستمرت معركة الدسائس والمنافسة حيناً بين اعتماد وابن عمار، لتسفر عن نتيجتها الطبيعية، وهي هزيمة الوزير وتغير مليكه عليه. ويقال إن الأبيات الطاعنة التي نسبت إلى ابن عمار، قد نظمها في ذلك الوقت سراً في هجو الرميكية، ونمى خبرها إلى المعتمد، ويقال من جهة أخرى إن ابن عمار نظمها أيام وجوده في مرسية، ونجح خصمه أبو بكر بن عبد العزيز صاحب بلنسية في الحصول على أصولها مكتوبة بخطه وبعثها إلى المعتمد.
وقد أورد لنا ابن الأبار في ترجمته لابن عمار، تلك القصيدة التي قيل إنها كانت سبباً في نكبة ابن عمار ومصرعه ومطلعها:
ألا حى بالغرب حياً حلالا ... أناخوا جمالا وحازوا جمَالا
وعرِّج بيومين أم القرى ... ونم فعسى أن تراها خيالا
لتسأل عن ساكنيها الرماد ..
. ولم تر للنار فيها اشتعالا
ويومين قرية من قرى إشبيلية ومنها كانت أوّلية بني عباد.
ومنها في هجو الرميكية:
تخيرتها من بنات الهجين ... رميكية ما تساوي عقالا
فجاءت بكل قصير العذار ... لئيم النجادين عمًّا وخالا
قصار القدود ولكنهم ... أقاموا عليها قروناً طوالا
ثم يشير إلى أيام شبابه مع المعتمد إشارات بذيئة ويخاطبه بقوله:
سأكشف عرضك شيئاً فشيئاً ... وأهتك سترك حالا فحالا (١)
وعلى أي حال فقد اجتمعت العوامل السياسية والشخصية، لتؤكد محنة ابن عمار. وقد وجه ابن عمار من سجنه إلى المعتمد قصائد في الاستعطاف تذيب الجماد، أو على قول ابن الخطيب "تعالج بمرامها جراح القلوب، وتُعَفِّى على هضبات الذنوب، لولا ما فرغ عنه من القدر المكتوب، والأجل المحسوب"، ومن أشهرها تلك القصيدة المؤثرة التي تهز أوتار القلوب، والتي مطلعها:
(١) الحلة السيراء (مخطوط الإسكوريال) لوحة ٧٤ و ١٠٢، وراجع دوزي: Hist. Abbadidarum V. II. p. ١١٧. وكذلك نفح الطيب ج ٢ ص ٤٥١ و ٤٥٢.