للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا قتل المعتمد بن عباد بيده، وزيره الشاعر المبرز، رفيق صباه، ويده اليمنى في كثير من المشاريع الخطيرة، في بادرة من الحقد المضطرم، والقسوة التي لا تخبو، وكانت هذه الضربة الدموية من أفدح أخطائه؛ ويقال إن المعتمد ندم فيما بعد على تسرعه، ونغصت عليه هذه الفعلة صفاء حياته. ويحاول الأمير عبد الله بن بُلُقِّين أمير غرناطة وهو معاصر للحادث وعليم بظروفه، أن يوضح لنا سبب حقد المعتمد على وزيره في الفقرة الآتية: " وكانت العداوة الواقعة بينه (أي ابن عمار) وبين المعتمد على يد الرشيد ابنه، فإنه بفسوقه كان يتكبر على أولاده، ويضيق عليهم، ويسىء الصنيعة مع من يجب عليه إكرامه من قرابة سلطانه، والمعتمد في هذا كله يصبر له، ولأنه قد استمال النصارى، واندخل معهم بحيلته، فمتى ما دهم أمر من قبلهم، وجهه إليهم، فيتجلى من أمرهم ما يضيق الصدر به، وكل ذلك بأموال رئيسه وسعادة أيامه، وهو بجهله يعتقد أن ذلك لا يتهيأ إلا بسببه، ويرد الخمس كله إلى نفسه؛ وكانت هذه المعاني مما أحنق عليه المعتمد، حتى عقب عليه بما كان جديراً به، وأمكنه الله منه، وجازاه بما لم يكن له منه بد، ولا رآه لغيره أهلا " (١).

ويعلق ابن الخطيب، على ذلك وقد كان أيضاً من الوزراء الذين عرفوا نزعات الملوك ونقمتهم بقوله: "وسبحان الذي جعل نفوس أكثر الملوك تنقاد في أزمة حب التشقي، وطلب الإنصاف، فلا تتوقف في مطاوعته، وذلك لأنها نفوس غير مقهورة بالرياضة والملكات، ولا مرغمة بفراق الشهوات، إلا القليل النادر، ممن كانت نفسه متصفة بالرحمة في أصل جبلتها، فهي ساكنة الفورة" (٢).

وكان ابن عمار من أعظم رجالات الأندلس في عهد الطوائف، فكان وزيراً نابهاً، وقائداً مجرباً يقود الحملات العسكرية الناجحة، وسياسياً بارعاً، ومفاوضاً لا نظير له، يعقد الصلات البعيدة المنال، ويذلل المشكلات الصعبة، وقد ذاع صيته في سائر بلاد الأندلس، وكذلك في ممالك اسبانيا النصرانية، حتى كان ألفونسو السادس ملك قشتالة، إذا ذكر عنده ابن عمار، قال "هو رجل الجزيرة" (٣). بيد أنه كان في نفس الوقت، سياسياً مغامراً، قليل الولاء


(١) كتاب البيان أو مذكرات الأمير عبد الله المنشورة بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال (القاهرة ١٩٥٥) ص ٨١.
(٢) أعمال الأعلام ص ١٦٢.
(٣) المعجب ص ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>