للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطوائف جميعاً، أن مملكة طليطلة كانت بظروفها وارتماء ملكها الضعيف في أحضان النصارى، صائرة حتماً إلى الفناء، وأن عاصمتها التالدة - طليطلة - سوف تسقط حتماً في يد ملك قشتالة، وكان ابن عباد يشهد تطور هذه المأساة جامداً، بما ينسب إليه من عهود قطعها في ذلك لملك قشتالة. وربما كان هذا التصرف من المعتمد نحو قضية طليطلة من بين أخطائه السياسية العديدة، أخطرها جريرة، وأبلغها دلالة على استهتاره وتهاونه نحو أمته ودينه. ولكن طليطلة ما كادت تسقط في أيدي القشتاليين، حتى أدرك المعتمد فداحة الخطأ الذي ارتكبه في سياسته، وشعر أن هذه النكبة، ليست إلا نذيراً قوياً له، ولسائر ملوك الطوائف.

وقد سبق أن ذكرنا فيما تقدم أن المعتضد بن عباد تعهد بأداء الجزية لفرناندو ملك قشتالة منذ سنة ٤٥٥ هـ (١٠٦٣ م)، وأنه كان يؤدي إليه هذه الجزية بانتظام حتى وفاته في سنة ١٠٦٥ م، ثم بعد ذلك إلى ولده سانشو ملك جلِّيقية.

ولما استطاع ألفونسو التغلب على أخويه، وأضحى ملكاً لقشتالة، كان المعتمد ابن عباد يؤدي إليه الجزية التي كان يدفعها أبوه. وكان ألفونسو يرسل في كل عام رسله لقبضها من المعتمد. ومما هو جدير بالذكر أن رسول ألفونسو إلى المعتمد بقبض الجزية في سنة ٤٧٢ هـ (١٠٧٩ م) لم يكن سوى الفارس القشتالي الشهير ردريجو بيبار الملقب بالسيد الكمبيادور، أو السيد الكنبيطور كما تسميه الرواية العربية. ولما وفد السيد عندئذ إلى إشبيلية، كانت قوات ملك غرناطة البربرية تغير على أراضي إشبيلية مع سرية من الفرسان النصارى، فطلب السيد من مواطنيه الكف عن هذا العدوان تحقيقاً لمقتضيات الصداقة والرعاية، التي يكنها الملك ألفونسو لصديقه ملك إشبيلية، ولما لم يصغ المغيرون إليه خرج إلى قتالهم في بعض القوات القليلة التي كانت معه، واستطاع أن يوقع بهم الهزيمة، فسر المعتمد من تصرفه، وأدى إليه عدا الجزية، طائفة كبيرة من التحف والهدايا برسم ملك قشتالة (١).

وهكذا فإن المعتمد، على الرغم من ضخامة ملكه، واتساع موارده، لم يستطع أن ينجو من ذلك النير المرهق، الذي استطاع ألفونسو السادس أن يفرضه على سائر ملوك الطوائف، ونعنى تأدية الجزية، بل يبدو أن المعتمد رأى فوق ذلك، أنه لن


(١) R.Menendez, Pidal: La Espana del Cid. p. ٢٥٠,٢٥٩-٢٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>