يستطيع أن يمضي في حكم مملكته آمناً إلا بتوثيق أواصر المودة مع ألفونسو ومحالفته.
وتقدم إلينا الرواية القشتالية موضوع ذلك الحلف ولكنها لا تقدم إلينا تاريخه، وتقول لنا إن الوزير ابن عمار ذهب إلى ليون وتولى المفاوضة في عقده. وخلاصة ما تم الاتفاق عليه، هو أن يقوم ملك قشتالة بمعاونة المعتمد في حروبه ضد سائر أعدائه من الأمراء المسلمين، وأن يؤدي إليه المعتمد جزية سنوية كبيرة، وأن يقوم بغزو أراضي مملكة طليطلة الجنوبية، وأن يسلم منها إلى ملك قشتالة الأراضي الواقعة شمال جبال سيرا مورينا (جبل الشارّات). وتزيد الروايات القشتالية على ذلك بأن المعتمد قدم في هذه المناسبة (أو في مناسبة لاحقة) إحدى بناته لتحكون زوجة أو حظية لملك قشتالة، وهي التي تعرفها الروايات القشتالية باسم " زائده "، وهي قصة سوف نتناولها في موضعها المناسب (١).
بيد أن الأمور لم تسر حسبما كان يرجو المعتمد، ففي سنة ٤٧٥ هـ (١٠٨٢ م) وجه ألفونسو السادس سفارته المعتادة إلى المعتمد بطلب الجزية، وعلى رأسها يهودي يدعى ابن شاليب، وعسكر رسل ملك قشتالة في ظاهر المدينة، فأرسل إليهم المعتمد المال مع بعض أشياخ المدينة، وفي مقدمتهم الوزير ابن زيدون.
فلما شاهد ابن شاليب المال والسبائك، رفض تسلمها بغلظة، بحجة أنها من عيار زائف، وهدد بأنه إذا لم يقدم له المال من عيار حسن، فسوف تحتل مدائن مملكة إشبيلية، حتى يتم الدفع على الوجه المرغوب. فلما وقف المعتمد على ذلك بعث رجاله فقبضوا على ابن شاليب، ومن معه من الفرسان القشتاليين، وأمر باليهودي، فصلب، وألقى الفرسان النصارى إلى السجن. ولما علم ملك قشتالة بما وقع لسفرائه، اضطر أن يعيد حصن المدوّر القريب من قرطبة إلى المعتمد، ثمناً لإطلاق سراحهم، بيد أنه أقسم أن ينتقم من المعتمد، أروع انتقام، وأن يخرب أراضي مملكة إشبيلية كلها حتى المجاز، ثم بادر تنفيذاً لوعيده، فحشد جيشاً ضخماً من الجلالقة، والقشتاليين، والبشكنس، وبعث سرياته فعاثت في أحواز باجة ولبلة، وسار هو إلى أراضي إشبيلية، وهو يحرق القرى، وينتسف الزروع، ويسبي كل من وقع في يده من المسلمين، ثم حاصر إشبيلية نفسها مدى ثلاثة أيام، ثم عاث في أراضي شذونة، وانحدر جنوباً، وهو يخرب كل
(١) Modesto Lafuente: Historia General de Espana (Madrid ١٨٨١) V. II p. ٤٠٤