للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يقع في طريقه، حتى وصل إلى مدينة طريف، فوقف على شاطىء الزقاق، والموج يضرب قوائم فرسه، والمعتمد طيلة هذه العاصفة الهوجاء يلتزم الدفاع (١) وكانت خطة ألفونسو السادس في إضعاف ملوك الطوائف، تقوم أولا على استصفاء أموالهم باقتضاء الجزية، وقد انتهى إلى أن فرض الجزية عليهم جميعاً، ثم على تخريب أراضيهم، وانتساف زروعم وأقواتهم ومحاصيلهم، بالغارات المخربة الناهبة، وأخيراً على اقتطاع حصونهم وأرضيهم كلما سنحت الفرص، وقد نجحت خطته في ذلك كل النجاح، وبدا ضعف ملوك الطوائف إزاء قوته وعدوانه المنظم، واضحاً ملموساً. وكان لاعتداده بقوته وسلطانه، ويقينه من تفرق الطوائف وتخاذلهم، يخاطبهم بلغة السيد، ويتسمى في خطاباته إليهم بالإمبراطور ملك الملتين، ويجاهر باحتقارهم، والاستهانة بهم. ومما يروى في ذلك، أنه قال لسفير المعتمد إليه، وهو يهودي يدعى بابن مشعل "كيف أترك قوماً مجانين. تسمى كل واحد منهم باسم خلفائهم وملوكهم وأمرائهم، المعتضد، والمعتمد، والمعتصم، والمتوكل، والمستعين، والمقتدر، والأمين، والمأمون، وكل واحد منهم لا يسل في الذب عن نفسه سيفاً، ولا يرفع عن رعيته ضيماً ولا حيفاً، قد أظهروا الفسوق والعصيان، واعتكفوا على المغانى والعيدان، وكيف يحل البشر أن يقر منهم على رعيته أحداً، وأن يدعها بين أيديهم سُداً" (٢).

وهنا أدرك المعتمد، فداحة الأخطاء التي تردى فيها بمصانعة ألفونسو ومحالفته واستعدائه على زملائه أمراء الطوائف، ولاحت له طوالع المصير المروع الذي سوف ينحدر إليه، إذا لم تتداركه يد العناية بعون أو نجدة غير منتظرة، والظاهر أنه فكر عندئذ ولأول مرة، أن يستنصر بإخوانه المسلمين فيما وراء البحر، في عدوة المغرب، فكتب إلى عاهل المرابطين يوسف بن تاشفين ينبئة بما آلت إليه أحوال الأندلس من الخطورة، وما رزئت به من فقد قواعدها وثغورها، ويلتمس إليه الإنجاد والعون (٣). وقد تطورت هذه الفكرة فيما بعد إلى خطة عملية التف حولها سائر ملوك الطوائف وشعب الأندلس كله حسبما نوضح في موضعه.


(١) الحلل الموشية ص ٢٥ و ٢٦. ودوزي Hist.Abbadidarum V. II. p. ١٧٤, ١٨٧, ١٨٨-٢٣١. وراجع ابن خلدون ج ٦ ص ١٨٦.
(٢) دوزي عن كتاب "الاكتفاء" في Hist. Abbadidarum: V II. p. ٢٠. وراجع R. Menendez Pidal: La Espana del Cid, p. ٢٥٩, ٣١٨ & ٣١٩
(٣) روض القرطاس (طبعة أبسالة ١٨٤٣) ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>