وكان استيلاء ألفونسو السادس على طليطلة معقد نجاحه، وذروة ظفره، فما كاد يدخل عاصمة القوط القديمة، حتى لاح له أن نهاية الطوائف كلها قد دنت، وأنه سوف يتبع نصراً بنصر، ويلتهم مدينة بعد أخرى، ومن ثم فقد بدأ يضع خطته لتنفيذ الخطوة التالية، وذلك بالاستيلاء على مملكة إشبيلية، أهم دول الطوائف، وأقواها يومئذ. فوجه إلى المعتمد بن عباد، رسالة ملؤها الوعيد والنذير، يطالبه بتسليم أعماله، ويحذره من مثل طليطلة ومحنتها، وهي فيما يبدو من إنشاء بعض النصارى المعاهدين أو اليهود الذين يخدمون في بلاط قشتالة، وقد نقل إلينا صاحب الحلل الموشية، نص هذه الرسالة، كما نقل إلينا رد المعتمد عليها، وإليك نص هاتين الرسالتين، اللتين تنمان عن روح العصر، وأساليبه:
قال ألفونسو في رسالته:" من الإنبيطور ذي الملتين، الملك المفضل، أذفنش بن شانجه، إلى المعتمد بالله، سدد الله آراءه وبصره مقاصد الرشاد، سلام عليك من مشيد ملك شرفته القنى، ونبتت في ربعه المنى، باغترار الرمح بعامله، والسيف بساعد حامله، وقد أبصرتم بطليطلة نزال أقطارها، وما حاق بأهلها حين حصارها. فأسلمتم إخوانكم، وعطلتم بالدعة زمانكم، والحذر من أيقظ باله، قبل الوقوع في الحبالة، ولولا عهد سلف، بيننا نحفظ ذمامه، ونسعى بنور الوفاء أمامه، لنهض بنا نحوكم ناهض العزم ورائده، ووصل رسول الغزو ووارده، لكن الأقدار تقطع بالأعذار، ولا يعجل إلا من خاف الفوت فيما يرومه، وخشي الغلبة على ما يسومه، وقد حملنا الرسالة إليك القرمط ألبرهانس؛ وعنده من التسديد الذي تلقى بأمثالك، والعقل الذي تدبر بلادك به ورجالك، مما أوجب استنابته فيما يدق ويجل، وفيما يصلح لا فيما يخل، وأنت عندما تأتيه من آرائك، والنظر بعد هذا من ورائك، والسلام عليك، يسعى بيمينك وبين يديك ".
وأجاب المعتمد على رسالة ملك النصارى بالرسالة الآتية: " من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله، محمد بن المعتضد بالله أبي عمر وابن عباد، إلى الطاغية الباغية أذفنش بن شانجه، الذي لقب نفسه بملك الملوك وسماها بذي الملتين، قطع الله بدعواه، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإن أول ما يبدأ من دعواه أنه ذو الملتين، والمسلمون أحق بهذا الاسم، لأن الذي تملكوه من أمصار البلاد، وعظيم