الاستعداد، ومجبى المملكة، لا تبلغه قدرتكم، ولا تعرفه ملتكم، وانما كانت سنة سعد، أيقظ منها مناديك، وأغفل من النظر السديد جميل مباديك، فركبنا مركب عجز نسخه الكيس، وعاطيناك في كؤوس دعة، قلت في أثنائها ليس، ولم تستح أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك، وإنا لنعجب من استعجالك برأي لم تحكم أنحاؤه، ولا حسن انتحاؤه، وإعجابك بصنع وافقتك فيه الأقدار، واغتررت بنفسك أسوأ الاغترار، وتعلم أنا في العدد والعديد، والنظر السديد، ولدينا من كماة الفرسان، وحيل الإنسان، وحماة الشجعان، يوم تلتقي الجمعان، رجال تدرعوا الصبر، وكرهوا القبر، تسيل نفوسهم على حد الشفار، وينعاهم المنام في القفار، يريدون رحى النون بحركات العزائم، ويشفون من خيط الجنون بخواتم العزائم، قد أعدوا لك ولقومك جلاداً رتبه الاتفاق، وشفاراً حداداً شحذها الإصفاق، وقد يأتي المحبوب من المكروه، والندم من عجلة الشروه، نبهت من غفلة طال زمانها، وأيقظت من نومة تجدد إيمانها، ومتى كانت لأسلافك الأقدمين مع أسلافنا الأكرمين، يد صاعدة أو وقفة متساعدة، إلا ذل تعلم مقداره، وتتحقق مثاره، والذي جرأك على طلب ما لا تدركه قوم كالحمر، لا يقاتلونكم جميعاً، إلا في قرى محصنة، أو من وراء جدر، ظنوا المعاقل تعقل، والدول لا تنتقل، وكان بيننا وبينك من المسالمة، ما أوجب القعود عن نصرتهم، وتدبير أمرهم، ونسأل الله المغفرة فيما أتيناه في أنفسنا؛ وفيهم من ترك الحزم وإسلامهم لأعاديهم، والحمد لله الذي جعل عقوبتنا، توبيخك وتقريعك، بما الموت دونه، وبالله نستعين عليك، ولا نستبطىء في مسيرنا إليك، والله ينصر دينه، والسلام على من علم الحق فاتبعه، واجتنب الباطل وخدعه " (١).
- ٣ -
وعلى أثر هذا النذير، جد المعتمد في حشد رجاله، وتقوية جيشه، وإصلاح حصونه، واتخاذ كل ما يستطاع من الأهبات الدفاعية. على أنه كان يوقن، كما
(١) أورد نص هاتين الرسالتين صاحب "الحلل الموشية". وقد اعتمدنا في نقلهما على النص الذي نقله دوزي عن مخطوطات باريس، وليدن، وجاينجوس (مدريد)، وهو فيما يبدو أصح وأدق من النص الذي ورد في طبعة تونس. راجع: Hist. Abbadidarum, V. II. p. ١٨٥, ١٨٦ & ١٨٧ وفي طبعة تونس (ص ٢٣ - ٢٥).