للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوقن زملاؤه ملوك الطوائف، أن ملك قشتالة يعتزم العمل على إبادتهم جميعاً، وأنهم بقواتهم ومواردهم المحدودة، وصفوفهم الممزقة، لن يستطيعوا له دفعاً.

في هذه الآونة العصيبة، قرر المعتمد أن ينفذ فكرته في الاستنصار بإخوانه فيما وراء البحر، في عدوة المغرب، وهم يومئذ المرابطون، وعاهلهم يوسف ابن تاشفين. وكانت هذه الفكرة قد خطرت لأكثر من أمير من أمراء الطوائف، وخطرت لكثيرين من زعماء الأندلس وعلمائها. ويقول لنا الأمير عبد الله بن بلقِّين إن أخاه تميماً أمير مالقة، كان أول من فكر في الاستنصار بالمرابطين لينتقم منه (١)، ولكن فكرة الاستنصار بالمرابطين لمقاتلة النصارى كانت أعم وأخطر، وكانت قد شاعت في الأندلس على أثر سقوط طليطلة، وما أشاعته تلك النكبة في الناس من ذعر ويأس، وذاعت بعد الأمراء، بين سائر الزعماء والفقهاء وطبقات الكافة. وعقد عندئذ في قرطبة اجتماع كبير من الزعماء والفقهاء، واجتمع رأيهم على وجوب الاستنصار بالمرابطين، وقدم ابن عباد على أثر ذلك إلى المدينة، وأقر ما ارتأته "الجماعة". وانضم إلى المعتمد في ذلك عدة من زملائه رؤساء الطوائف، ولاسيما أميرى بطليوس وغرناطة. واتفق الرأي على أن ترسل إلى عاهل المرابطين سفارة مشتركة من قضاة قرطبة وبطليوس وغرناطة، ومعهم أبو بكر بن القصيرة الكاتب (وفي رواية أخرى الوزير أبو بكر بن زيدون).

وهنا تختلف الرواية في التفاصيل فتقول إحداها إن سفارة الأندلس عبرت البحر، ولقيت أمير المسلمين بسبتة، وكان قد وصل إليها إثر افتتاح جيشه لها، من يد واليها يحيى بن سكوت البرغواطي، وشرح له السفراء ما يلقاه أهل الأندلس من الإرهاق والذلة على يد النصارى، وما يهددهم به ملك قشتالة من أخذ بلادهم، وإبادتهم، وأنهم يعتمدون على نصرته وحسن بلائه، في دفع هذا الخطر عن الأندلس المسلمة. وفي رواية أخرى أن المعتمد بن عباد نفسه، قد عبر البحر في جماعة من الزعماء، وسار إلى سبتة أو إلى فاس لمقابلة أمير المسلمين، وأنه هو الذي استنصره بنفسه للجهاد وإنقاذ الأندلس (٢).


(١) مذكرات الأمير عبد الله ص ١٠٢.
(٢) راجع في ذلك ما نقله دوزي عن النويرى: Hist. Abbadidarum: V. II. p. ١٤٣. وما ورد في الإستقصاء للسلاوي ج ١ ص ١١١، ومذكرات الأمير عبد الله ص ١٠٢، وابن خلدون ج ٦ ص ١٨٦. وقد أشار ابن الأبار إلى ذلك أيضاً (الحلة السيراء ج ٢ ص ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>