للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جهة أخرى، فإنه يقال لنا إن المعتمد كان يعارضه في هذا الاتجاه ولده الرشيد وجماعة من زعماء إشبيلية، وأنه حين خاطب الزعماء في أمر استدعاء المرابطين أشاروا عليه بأن الأفضل، أن يسعى إلى التفاهم مع ملك قشتالة، وأن يعقد معه الصلح والمهادنة، بأي وسيلة، وكيفما كان الأمر. ولما خلا بولده الرشيد، أفضى إليه بمخاوفه من سطوة ملك قشتالة، وأنه بعد أن استولى على طليطلة وعادت دار كفر، قد رفع رأسه، وأخذ يتجه إلى أخذ إشبيلية، وأنهم في هذه الجزيرة لا ناصر لهم، وليس في ملوك الطوائف نفع ولا عون يرتجى، وأنه لا مناص من استدعاء المرابطين لردع ملك قشتالة، فاعترض الرشيد على رأيه وقال له: "يا أبت أتدخل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدد شملنا"، فقال المعتمد لولده: "أي بني والله لا يسمع عني أبداً أني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى، فتقوم اللعنة علي في الإسلام؛ مثلما قامت على غيري. حرز الجمال عندي والله خير من حرز الخنازير". وانتهى الرشيد بأن فوض لأبيه الرأي فيما يحب عمله (١).

وأما عن أمراء الأندلس، فقد كان يتفق في الرأي مع المعتمد، على استدعاء المرابطين حسبما رأينا، عبد الله بن بلقين أمير غرناطة، وقد أوفد رسله مع رسل ابن عباد إلى أمير المسلمين، وكذلك عمر المتوكل أمير بطليوس، فقد كان في مقدمة المؤيدين، لوقوع بلاده في منطقة الخطر، ولاشتداد ملك قشتالة في إرهاقه. وأما ابن صمادح أمير ألمرية، فلم يكن من المتحمسين لهذا الاستدعاء (٢)، وكانت ثمة آراء معارضة أخرى، شعارها التوجس من مقدم المرابطين وأطماعهم.

وقد أورد لنا صاحب الحلل الموشية نصوص رسائل، قيل أن المعتمد بن عباد بعثها إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، بعضها من إنشائه، وبعضها من إنشاء وزرائه، ومنها رسالة مؤرخة في جمادى الأولى سنة ٤٧٨ هـ، أعني بعد سقوط طليطلة بأشهر قلائل، وفيها يصف له حال الأندلس، وما أصاب أهلها من الخلاف والتمزق، وما دهاها من عدوان النصارى وإرهاقهم. بيد أنه قد


(١) الحلل الموشية ص ٢٧ و ٢٨ ونقلت في دوزي: Hist. Abbadidarum: V. II. p. ١٨٨-١٨٩
(٢) راجع مذكرات الأمير عبد الله ص ١٠٣ و ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>