للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرزالي في قرمونة حتى أطلق سراحه (سنة ٤٢١ هـ)، وعاد إلى بطليوس وقد صقلته المحنة، وشحذت عزمه، لمقاومة بني عباد ومحاربتهم.

ثم عادت الحرب فاضطرمت بعد ذلك ببضعة أعوام بين ابن عباد وابن الأفطس، ذلك أن حملة جديدة بقيادة إسماعيل بن عباد، توغلت شمالا في أراضي ابن الأفطس وعاثت فيها، وعندما سار في طريق العودة، خرج عليه ابن الأفطس في قوة كثيفة، وطارده بشدة، ففر إسماعيل في قلة من فلوله، وأسر معظم عسكره، وفتك ابن الأفطس بهم كما فتك النصارى بكثير منهم، وكانت محنة شنيعة لبني عباد (٤٢٥ هـ - ١٠٣٤ م).

وشغل أبو القاسم بن عباد في الأعوام التالية، عن محاربة الأفطس بمحاربة البربر، فاشتبك أولا مع يحيى المعتلي، وانتزع منه قرمونة (٤٢٧ هـ)، ليردها إلى صاحبها حليفه محمد بن عبد الله البرزالي. بيد أنه عاد فسير قواته إلى قرمونة واستولى عليها. وعندئذ هرع البربر لنصرة البرزالي، وفي مقدمتهم إدريس المتأيد صاحب مالقة، وباديس بن حبوس صاحب غرناطة، ووقعت بين البربر وجند إشبيلية موقعة دموية، هزم فيها الإشبيليون وقتل أميرهم إسماعيل بن عباد (٤٣١ هـ) وذلك كله حسبما فصلناه من قبل في أخبار الدولة العبادية.

وأما ابن الأفطس، فقد شغل بقيام الثورة في أشبونة. أقصى ثغور مملكته.

ذلك أن عبد الملك وعبد العزيز ابنى سابور، حينما توفي والدهما، واستولى ابن الأفطس على تراثه، غادرا بطليوس ولجآ إلى ثغر أشبونة، ثم ثار عبد العزيز واستولى على حكم المدينة، واستمر في حكمها بضعة أعوام. ولما توفي حل أخوه عبد الملك مكانه، ولكنه كان سيىء الحكم والإدارة، فاختل النظام، وغلبت الفوضى، وكتب أهل أشبونة سراً إلى ابن الأفطس، أن يرسل إليهم والياً من عنده، فسير إليهم ولده محمداً في قوة كثيفة، ودخل محمد أشبونة دون صعوبة، ورأى عبد الملك بن سابور أن يذعن إلى التسليم، على أن يؤمن في نفسه وأهله وماله؛ فمنح ما طلب، وسمح له بأن يسير إلى حيث شاء، فقصد إلى مدينة قرطبة، واستأذن الوزير ابن جهور في الالتجاء إليها، فأذن له ودخلها بأهله وأمواله، ونزل دار أبيه سابور، وعاش هناك حتى توفي (١).


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>