وكان عبد الله بن الأفطس المنصور، خلال ذلك يمضي في تنظيم مملكته الشاسعة وفي تحصينها، وفي تقوية جيوشه وأهباته، وذلك كله توقعاً لعدوان بني عباد، ولاسيما بعد أن خلف المعتضد بن عباد أباه القاضي أبا القاسم في الحكم، وظهرت إمارات توثبه ونياته العدوانية. ثم توفي المنصور في جمادى الأولى سنة ٤٣٧ هـ (١٠٤٥ م).
فخلفه ولده محمد بن عبد الله بن الأفطس وتلقب بالمظفر. وكان عالماً وفارساً شجاعاً، وقد عركته خطوب الحرب والأسر الذي عاناه. فسار في الحكم سيرة أبيه من العمل على ضبط النظام، والدفاع عن الثغور. وكان مثل أبيه يرى في بني عباد خصومه الأوائل، ويعمل على تقوية أهباته الدفاعية لاتقاء عدوانهم. وقد رأينا فيما تقدم، كيف دبر المعتضد بن عباد خطته للاستيلاء على إمارات الغرب الصغرى، وبدأ في ذلك بمهاجمة مدينة لبلة، وكيف أن المظفر بن الأفطس هرع إلى نجدة صاحبها ابن يحيى، وبعث بعض قواته من البربر لمهاجمة إشبيلية، وكيف حاول الوزير ابن جهور عبثاً أن يحول بتدخله، ونصحه للفريقين، دون نشوب الحرب بينهما. وهكذا اضطرم القتال بين المعتضد وابن الأفطس، وعاث كل منهما في أراضي الآخر، وهزم ابن الأفطس أولا، ولكنه استأنف الكرة، واستطاع أن يوقع بالمعتضد هزيمة شديدة قتل فيها كثير من جنده (٤٣٩ هـ - ١٠٤٧ م).
ثم تطورت الحوادث وساء التفاهم بين ابن عباد وابن الأفطس، حيث أبى أن يرد إلى حليفه القديم، ما ائتمنه عليه من أمواله وذخائره أيام الحرب، ولم يكتف ابن الأفطس بذلك بل أرسل قواته من الفرسان لمهاجمة لبلة، فاستغاث ابن يحيى بالمعتضد، فلبى دعوته وأرسل قواته، فاشتبكت مع خيل ابن الأفطس فمزقتهم وأفنتهم، واحتزت من رؤوسهم، نحو مائة وخمسين. وجهز المعتضد بعد ذلك قوة كبيرة على رأسها ولده إسماعيل ووزيره ابن سلام، وعبرت القوات العبادية نهر وادي يانة، وتوغلت في أراضي ابن الأفطس شمالا، حتى مدينة يابُرة، وحشد ابن الأفطس في الوقت نفسه سائر قواته، واستعان بقوة بعثها إليه حليفه إسحق بن عبد الله البرزالي تحت قيادة ولده المعز، والتقى الفريقان دون أهبة ولا نظام على مقربة من يابرة، فهزم ابن الأفطس وفشا القتل في جنده، وقتل المعز بن إسحق، وحز رأسه وأرسل إلى إشبيلية، وقتل عم لابن الأفطس