للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرسل رأسه كذلك، ولجأ ابن الأفطس في بقية فرسانه إلى يابرة، تحت كنف صاحبها عبيد الله الخراز. وكانت موقعة دموية شنيعة قدر فيها عدد القتلى بأكثر من ثلاثة آلاف، وكان وقوعها في سنة ٤٤٢ هـ (١٠٥٠ م).

واستمرت الحرب بين الفريقين بعد ذلك عدة شهور أخرى، استطاع المعتضد خلالها أن يوقع بقوات ابن الأفطس غير مرة وأن يعيث في أراضيه، وأن يفتح منها عدة حصون. وتفاقمت الحال، بما أصاب مملكة بطليوس من تخريب الزروع، وهلاك الأقوات ونضوب الموارد، ووقوع القحط، واضطر المظفر بن الأفطس في النهاية، أن يعتصم بقاعدته بطليوس، بعد ما نكل سائر أصدقائه عن معونته. ولم ينقذه من عدوان المعتضد سوى تدخل الوزير أبى الوليد ابن جهور، حيث لبث موالياً لسعيه في درء الفتنة، وحقن الدماء، حتى كلل سعيه في النهاية بالنجاح، وعقد الصلح بين المعتضد بن عباد والمظفر بن الأفطس في ربيع الأول سنة ٤٤٣ هـ (١٠٥١ م) (١).

وكان المظفر في نفس الوقت عرضة لمضايقة المأمون بن ذى النون صاحب طليطلة وعدوانه. وقد أغار المأمون مراراً على أراضي ابن الأفطس، ووقعت بينهما معارك محلية كثيرة. ولم نعثر على تاريخ هذه المعارك بطريقة قاطعة. ولكن الظاهر أنها وقعت بعد الصلح بين ابن عباد وابن الأفطس، أعني بعد سنة ٤٤٣ هـ (٢).

على أن المظفر ما كاد يفيق من تلك الحروب المدمرة، حتى بدأت الحوادث والأزمات الخطيرة في أطراف مملكته الغربية والشمالية. وكان خصومه في تلك المرة هم النصارى، جيرانه من الشمال. وكان فرناندو الأول (فرديناند أو فرذلند) ولد سانشو الكبير، بعد أن استتب له ملك قشتالة وليون، يرقب تطور الحوادث لدى جيرانه المسلمين باهتمام، ويتحين فرص العمل، وكانت أطراف مملكة بطليوس الشمالية الواقعة فيما بين نهر التاجُه ونهر دويرة، تشمل منطقة نائية مجردة من وسائل الدفاع القوية، وتكاد تكون قواعدها المنعزلة المستقلة معتمدة في الدفاع على نفسها. فاتجهت أنظار فرناندو، إلى تلك المنطقة، ولم يلبث أن اخترقها بقواته وذلك في سنة ٤٤٩ هـ (١٠٥٧ م) واستولى أولا على مدينتي لاميجو (مليقة)


(١) راجع ما نقل في الذخيرة عن ابن حيان، المجلد الأول القسم الأول ص ٣٦١ - ٣٦٥، والبيان المغرب ج ٣ ص ٢١١ - ٢١٣ و ٣٣٤ و ٢٣٥.
(٢) راجع البيان المغرب ج ٣ ص ٢٨٢ و ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>