للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبازو الواقعتين في شمال البرتغال، واللتين عمرهما المسلمون منذ أيام المنصور؛ ولم يلق الغزاة دفاعاً يذكر، ولم يتحرك ابن الأفطس ليقينه من عقم المحاولة.

واسترق فرناندو، سكان المدينتين الإسلاميتين، وأسكن بهما النصارى.

ولم تمض بضعة أعوام أخرى حتى بعث فرناندو بحملة قوية إلى تلك المنطقة تقدر بعشرة آلاف فارس، وكان ابن الأفطس قد رفض أداء الجزية لملك قشتالة، فسارت قوة من الفرسان النصارى جنوباً، صوب مدينة شنترين الواقعة على نهر التاجُه، وهي من أهم قواعد مملكة بطليوس البرتغالية، وكان ابن الأفطس على علم بتحرك النصارى، فهرعت قواته إلى شنترين قبل أن يصلوا إليها. ولما أشرف عليها النصارى بعث قائدهم " القومس " إلى ابن الأفطس للمفاوضة، فاجتمع الاثنان في نهر التاجُه، وانتهت المفاوضة بينهما على عقد الهدنة، وعلى أن يدفع ابن الأفطس لملك قشتالة جزية سنوية مقدارها خمسة ألاف دينار.

على أن أعظم خطب نزل بالمسلمين وبمملكة بطليوس يومئذ, هو فقد مدينة قُلُمرية أعظم مدن البرتغال الشمالية، وكان قد افتتحها المنصور بن أبي عامر منذ ثمانين عاماً في سنة ٣٧٥ هـ. وكانت يومئذ تحت حكم مولى من موالي ابن الأفطس يدعى راندة، ولديه للدفاع عن المدينة نحو خمسة آلاف جندي. ويقال إن الذي أشار على فرناندو بغزو قلمرية هو مستشاره المستعرب سسنندو الذي سبق ذكره، وكان في الأصل من أهل هذه الناحية. وسار فرناندو بنفسه إلى قلمرية في قوات كثيفة وضرب حولها الحصار، واستمر الحصار زهاء ستة أشهر، والضيق يشتد بالمدينة المحصورة يوماً عن يوم. وفي النهاية تفاهم راندة مع فرناندو سراً على أن يخرج من المدينة آمناً على نفسه وأهله، وأصبح أهل المدينة فلم يجدوا قائدهم, فعرضوا التسليم على أن يمنحوا الأمان، فرفض فرناندو واستمر في الحصار، حتى فتك الضيق ونفاد الأقوات بالحامية وأهل المدينة، وأخيراً اقتحم النصارى المدينة عنوة، فسلمت الحامية، واعتبر جنودها أسرى، وسبى الكثير من أهلها نساء ورجالا. وخرج منها من استطاع منهم تاركين متاعهم وأموالم، ووقعت هذه الحادثة بالمسلمين في سنة ٤٥٦ هـ (١٠٦٤ م). وعين فرناندو مستشاره سسنندو حاكماً لقلمرية وأعمالها، ومنحه عندئذ لقب " الكونت " أو " الوزير ".

ثم عمد فرناندو بعد ذلك إلى إخراج السكان المسلمين من سائر الأراضي الواقعة

<<  <  ج: ص:  >  >>