للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين نهري دويرة ومنيو (منديجو) وذلك تنفيذاً لخطته في إجلاء المسلمين عن الأراضي المتاخمة لمملكته شيئاً فشيئاً.

ولما سقطت قلمرية في يد العدو، قصد واليها السابق راندة إلى بطليوس، وكان قد لجأ إلى المعسكر النصراني، ثم غادره طمعاً في عفو سيده، فاستقبله ابن الأفطس بجفاء وأنبه على شنيع مسلكه، ثم أمر بضرب عنقه جزاء خيانته (١).

هذا وسوف نعود إلى تفصيل حوادث سقوط قلمرية في أخبار فرناندو ملك قشتالة.

وهدأ ضغط النصارى على أراضي ابن الأفطس بوفاة فرناندو ملك قشتالة بعد ذلك بنحو عامين في سنة ١٠٦٥ م. ووقعت بين أبنائه الثلاثة حرب استمرت بضعة أعوام، شغل خلالها النصارى عن عدوانهم على أراضي المسلمين. ولما خلص عرش قشتالة وليون بعد ذلك إلى ولده ألفونسو، تحولت دفة هذا العدوان إلى مملكتي طليطلة، وإشبيلية، حسبما نفصل بعد.

وتوفي المظفر بن الأفطس في سنة ٤٦١ هـ (١٠٦٨ م)، فخلفه ولده يحيى الملقب بالمنصور.

ولابد لنا قبل أن نترك الكلام على المظفر بن الأفطس، أن نذكر ذلك الجانب اللامع الوضاء في حياته، ونعني الناحية الفكرية. فقد كان المظفر من أعلم أهل عصره، وكان شغوفاً بالشعر والأدب، وكان ينكر الشعر على قائله في زمانه، ويقول: " من لم يكن شعره مثل شعر المتنبي أو المعري فليسكت "، ولا يرضى بدون ذلك. وقد اشتهر في عالم الأدب بكتابه الضخم الموسوم "بالمظفري" نسبة إلى اسمه، وهو موسوعة أدبية وتاريخية عظيمة تحتوي على كثير من الأخبار والسير والنبذ المختارة، والطرائف المستملحة، والغرائب الملوكية، والنوادر اللغوية. وأنفق المظفر في تصنيفه أعواماً، وانتفع في تصنيفه بسائر ما تحتويه خزائنه الزاخرة بنفائس الكتب، ولم يستعن في وضعه إلا بكاتبه أبي عثمان سعيد بن خيره. وقيل إن "المظفري" كان يحتوي على خمسين مجلداً، وقيل بل على عشرة أجزاء ضخمة وقد لبث هذا المصنف الكبير عصوراً، معروفاً متداولا، تذكره التواريخ


(١) راجع في سقوط قلمريه وما تقدمه من حوادث: البيان المغرب ج ٣ ص ٢٣٨ و ٢٣٩، وأعمال الأعلام ص ١٨٤، ودوزي في Hist. des Musulmans d'Espagne, V. III. p. ٦٧-٧٧

<<  <  ج: ص:  >  >>