للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلسية، بيد أنه قد غاض ودثر في النهاية، ولم تصل إلينا منه سوى شذور قليلة (١).

وما كاد المنصور بن الأفطس يبدأ حكمه حتى ثار به أخوه عمر، وكان يرى نفسه أحق منه بالملك والحكم. وكان عند وفاة والده المظفر حاكماً لمدينة يابرة وما إليها، فنهض لمناوأة أخيه. واستمر النزاع بينهما بضعة أعوام حتى تفاقم.

ولجأ عمر إلى معاونة المأمون بن ذى النون صاحب طليطلة، واتجه المنصور إلى معاونة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، واضطرمت الفتنة، وكادت تدمر كل شىء، لولا أن توفي يحيى المنصور فجأة سنة ٤٦٤ هـ (١٠٧٢ م)، فخمدت الفتنة ودخل عمر بطليوس، وتولى الحكم مكان أخيه دون منازع، وتلقب بالمتوكل على الله، وندب ابنه العباس حاكماً ليابرة.

وكان المتوكل بن الأفطس من أشهر ملوك الطوائف وأبقاهم ذكراً، وهو لم يشتهر بحروبه وأعماله السياسية، وإنما اشتهر بعلمه وأدبه وشعره، وبلاطه الزاهر، الذي كان جامعة أدبية أكثر منه قصراً ملوكياً. وقد وصفه لنا معاصره الفتح بن خاقان في تلك العبارات الشعرية: " ملك جند الكتائب والجنود، وعقد الألوية والبنود، وأمر الأيام فائتمرت، وطافت بكعبته الآمال واعتمرت إلى لسن وفصاحة، ورحب جناب للوافد وساحة، ونظم يزري بالدر النظيم، ونثر تسري رقته سري النسيم، وأيام كأنها من حسنها جمع، وليال كان فيها على الأنس حضور مجتمع، راقت إشراقاً وتبلجاً، وسالت مكارمه أنهاراً وخلجاً " (٢).

وقال ابن الخطيب: " وكان المتوكل ملكاً عالي القدر، مشهور الفضل، مثلا في الجلالة والسرو، من أهل الرأي والحزم والبلاغة، وكانت مدينة بطليوس في مدته دار أدب وشعر ونحو وعلم ".

ونقل إلينا ابن الخطيب تلك التحفة الأدبية من نظم المتوكل، رواها وزيره أبو طالب ابن غانم قال: كتب إلى المتوكل بهذين البيتين في ورقة كرنب من بعض البساتين:

انهض أبا طالب إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا

فنحن عقد بغير وسطى ... ما لم تكن حاضراً لدينا (٣)


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٣٦، ٢٣٧، وأعمال الأعلام ص ١٨٣، ١٨٤ والمعجب لعبد الواحد المراكشي ص ٤١، ٤٢.
(٢) قلائد العقيان ص ٣٦.
(٣) أعمال الأعلام ص ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>