لمتاخمة حدودها للممالك الإسبانية النصرانية، واعتبارها بذلك حاجز الدولة الإسلامية وجناحها الشمالي الأوسط، ضد عدوان النصارى.
ولم يتغير هذا الوضع بقيام دولة بني ذى النون، على أثر انهيار الخلافة، وتمزق الأندلس، في تلك المنطقة، ومن ثم كانت أهمية مملكة طليطلة. وكانت هذه المملكة تشمل رقعة كبيرة في قلب الأندلس، تمتد شرقي مملكة بطليوس، من قورية وتَرجالُه نحو الشمال الشرقي، حتى قلعة أيوب وشنتمرية الشرق، جنوب غربي مملكة بني هود في الثغر الأعلى، وتمتد شمالا بشرق فيما وراء نهر التاجُه متاخمة لقشتالة القديمة، وجنوباً بغرب حتى حدود مملكة قرطبة، عند مدينتي المعدن والمدور، وتتوسطها عاصمتها طليطلة. ومن أعمالها مدينة سالم ووادي الحجارة وقونقة ووبذة وإقليش ومورة وطلبيرة وترجالُه وغيرها.
كانت هذه المنطقة الشاسعة الهامة وقت الفتنة غنماً لبني ذى النون، أقاموا بها مملكة لامعة زاهية، ولكن سيئة الطالع، قصيرة الأمد. وقد كان بنو ذى النون من أصول البربر، من قبائل هوارة، ويقال إن أصل لقبهم هو زنون، فتطور بمضي الزمن إلى رسمه المعروف، أعني ذى النون، وقد ظهروا وفقاً لأقوال الرواية، منذ أيام الدولة الأموية، حيث كان جدهم الأعلى ذو النون بن سليمان حاكماً لحصن إقليش، منذ أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن. وظهر جدهم ذو النون هذا، ونال عطف الأمير محمد عن طريق حادث عارض، خلاصته أن الأمير محمدا، عند اجتيازه في بعض غزواته لأرض شنت برية (١)، موطن ذى النون اعتل له خصي من أكابر خصيانه، وهو في طريق العودة من غزاته، فتركه عند ذى النون حتى يبرأ من علته أو يموت، فاعتنى به ذو النون عناية فائقة حتى برىء، ثم أخذه بنفسه إلى قرطبة، فسر الأمير محمد بمروءته، وكافأه على صنيعه بأن أهدى له سجلا بولايته على ناحيته، واعتباره زعيم قومه، وارتهن بعض أولاده كفالة بحسن طاعته، ومن ذلك الحين يظهر اسم بني ذى النون على مسرح الحوادث. ومنها أن موسى بن ذى النون، اشترك أيام الفتنة في الخلاف
(١) شنت برية وبالإسبانية Santaver، هي بلدة حصينة كانت تقع شمالي غرب قونقة، وجنوبي شرقي وادي الحجارة على مقربة من منابع نهر التاجه، وقد كانت قاعدة للكورة الأندلسية التي تسمى بهذا الاسم، والتي تشغل منطقة قونقة وإقليش حتى شرقي طليطلة.