تقديم وزيره ابن الحديدي، والاعتماد على رأيه في مهام الشئون. وكان ثمة إلى جانب ابن الحديدي ثلاثة وزراء آخرين، أوصى أبوه إسماعيل بأن يشركهم في رأيه، ويعتمد على عونهم، وهم الحاج بن محقور، وابن لبون، وابن سعيد ابن الفرج (١). وفي عهد المأمون اتسعت حدود مملكة طليطلة، وترامت شرقاً حتى بلنسية، وأضحت من أعظم دول الطوائف رقعة وموارد، وساد بها الأمن والرخاء.
بيد أن عهد المأمون الذي استطال ثلاثة وثلاثين عاماً، كان في الوقت نفسه مليئاً بالحروب والخصومات، التي اضطرمت بين المأمون، وبين منافسيه القويين ابن هود صاحب سرقسطة والثغر الأعلى، وابن عباد صاحب إشبيلية. ووقع النزاع بادئ بدء بين المأمون، وبين ابن هود جاره من الناحية الشمالية الشرقية. وكانت سلسلة المدن والقلاع الحصينة التي تمتد بين الثغر الأعلى، وبين مملكة طليطلة، منذ قلعة أيوب حتى وادي الحجارة، موضع الاحتكاك بين الفريقين، وكانت مدينة وادي الحجارة بالأخص مثار نزاع بينهما، وبالرغم من أنها كانت من أعمال مملكة طليطلة، إلا أن فريقاً من أهلها كانوا ينزعون إلى الانضواء تحت سلطان سليمان بن هود صاحب سرقسطة، وكان سليمان يعمل على بث الاضطراب فيها، على يد رسله وأعوانه، فلما نضجت دعوته أرسل إليها قوة من جيشه بقيادة ولده وولي عهده أحمد فنازلتها، ثم دخلتها بمعاونة بعض أهلها الضالعين معه، (٤٣٦ هـ - ١٠٤٤ م). وما كاد المأمون بن ذى النون يقف على هذا الاعتداء، حتى هرع في قواته إلى وادي الحجارة، ونشبت بينه وبين أحمد بن هود معارك كانت الغلبة فيها لابن هود، فارتد بقواته، وابن هود يطارده حتى حصره في مدينة طلبيرة، الواقعة على نهر التاجه غربي طليطلة، وشدد ابن هود في الضغط على المأمون ومضايقته، ثم كتب إلى أبيه يخبره بما تهيأ له، فكتب إليه أبوه أن يرفع الحصار عن طلبيرة، وأن يترك المأمون وشأنه، فصدع بالأمر، وارتد بقواته عائداً إلى سرقسطة، ونجا المأمون من مأزق شديد الحرج.
ولم يشأ المأمون أن يقف عند هذا الحد، بل صمم على متابعة الحرب والانتقام من ابن هود، ففاوض فرناندو الأول ملك قشتالة، وطلب عونه، وتعهد
(١) أعمال الأعلام ص ١٧٧، والذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١١٣.