للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن يقر بسيادته، وأن يؤدى له الجزية (١)، فاستجاب فرناندو لدعوته، وبعث سريات من جنده، فعاثت في أراضي ابن هود المتاخمة لقشتالة، وأمعنت فيها تخريباً، وكان ذلك في أوان الصيف والزروع على وشك الحصاد، فقام الجند النصارى بحصدها، ونقلها إلى بلادهم، وجردت المنطقة من سائر الزروع والأقوات، وقتل النصارى، وسبوا ما استطاعوا، ثم عادوا إلى بلادهم، كل ذلك وابن هود ممتنع في حصونه مجتنب للاشتباك مع المعتدين، وانتهز المأمون هذه الفرصة، فأغار بدوره على أراضي ابن هود المتاخمة له وعاث فيها.

ورأى المأمون في نفس الوقت أن يقوي أواصر الصداقة مع المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية، طمعاً في عونه ونصرته على ابن هود، فوعده ابن عباد بما طلب، وأسفرت المفاوضات بينهما، عن اعتراف المأمون بالدعوة الهشامية، التي احتضنها ابن عباد، ورفضها في البداية إسماعيل بن ذى النون، وأخذت البيعة لهشام المؤيد في طليطلة، ودعى له على منابرها (٢). بيد أن ابن عباد ما لبث أن شغل بحروبه مع ابن الأفطس، ولم ينل المأمون من عونه شيئاً.

وأما ابن هود فإنه ما لبث أن انحدر إلى نفس الطريق الذي انحدر إليه المأمون وسعى بدوره إلى محالفة النصارى، واستعدائهم على خصمه ابن ذى النون، وبعث إلى فرناندو أموالا وتحفاً طائلة، على أن يغير على أراضي ابن ذى النون، فاستجاب فرناندو إلى دعوته، وبعث سرياته فاخترقت أراضي طليطلة شمالا، حتى وادي الحجارة. وقلعة النهر (قلعة هنارس)، وأمعنت فيها عيثاً وتخريباً، فاستشاط المأمون غيظاً، والتمس محالفة غرسية ملك نافار أخى فرناندو ملك قشتالة، وبعث إليه بالأموال والتحف، فأغار بقواته على أراضي ابن هود المتاخمة له، فيما بين تطيلة ووشقة وعاث فيها، وافتتح منها قلعة قلهرّة (٤٣٧ هـ - ١٠٤٥ م)، وكانت مما افتتحه المنصور بن أبي عامر من أعمال نافار الجنوبية، وقام فرناندو ملك قشتالة مرة أخرى بالإغارة على أحواز طليطلة وتخريبها.

وهكذا استباح النصارى أراضي المملكتين الإسلاميتين، بمساعي ابن هود وابن ذى النون الذميمة، وانهارت فيها خطوط الدفاع، وساءت أحوال المسلمين إلى


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٧٨، وكذلك: P.y Vives: Los Reyes de Taifas, p.٥٣
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>