أبعد حد. واضطر أهل طليطلة أن يبعثوا إلى سليمان بن هود بعض كبرائهم، سعياً إلى طلب الصلح والمهادنة، فقصدوا إليه في سرقسطة فناشدوه السلم، وحذروه من العواقب، ومما تهيأ للنصارى من الظفر، فتظاهر بالقبول، وكذلك أبدى ابن ذى النون ميله إلى المهادنة والصلح، وصرف حلفاءه النصارى إلى بلادهم.
على أن ابن هود لم يكف عن خطته، فخرج بقواته مع سرية من حلفائه النصارى وهاجم مدينة سالم، وهي نهاية أعمال طليطلة المتاخمة له، وقتل معظم المدافعين عنها، ثم استولى على سائر الحصون التي كان قد انتزعها منه المأمون، وكان معه في تلك الغزوة، عبد الرحمن بن إسماعيل بن ذى النون، أخو المأمون الثائر عليه يدله على عوراته وثغراته. وهرع المأمون بقواته إلى مدينة سالم للدفاع عنها، وانتهز النصارى من حلفاء ابن هود هذه الفرصة، فعاثوا في أراضي طليطلة كرة أخرى، واشتد الخراب والكرب بأهل طليطلة، فبعثوا إلى فرناندو يسألونه الصلح والمهادنة، فطلب منهم أموالا كثيرة، واشترط شروطاً فادحة، عجزوا عن قبولها، وبعثوا يقولون له، لو كانت لدينا هذه الأموال، لأنفقناها على البربر، واستدعيناهم للدفاع عنا، فرد عليهم فرناندو بما يأتي، وهي أقوال تمثل سياسة اسبانيا النصرانية نحو الأندلس أصدق تمثيل:
" أما استدعاؤكم البرابرة، فأمر تكثرون به علينا، وتهددونا به، ولا تقدرون عليه، مع عداوتهم لكم، ونحن قد صمدنا إليكم ما نبالي من أتانا منكم، فإنما نطلب بلادنا التي غلبتمونا عليها قديماً في أول أمركم، فقد سكنتموها ما قضي لكم، وقد نصرنا الآن عليكم برداءتكم، فارحلوا إلى عدوتكم، واتركوا لنا بلادنا فلا خير لكم في سكناكم معنا بعد اليوم، ولن نرجع عنكم، أو يحكم الله بيننا وبينكم "(١).
وفي الوقت نفسه كانت قوات غرسية ملك نافار، حليف ابن ذى النون، تغير على أراضي ابن هود، وتعيث فيها. وهكذا استمرت الفتنة والنضال بين "هذين الأميرين المشئومين على المسلمين" ثلاثة أعوام من سنة ٤٣٥ إلى آخر سنة ٤٣٨ هـ، ولم تنقطع إلا بموت سليمان بن هود في العام ذاته، وكانت فتنة