وضيعة كبيرة، ونموذجاً صارخاً لتلك الحروب والمنافسات الإنتحارية المدمرة التي انحدر إليها ملوك الطوائف (١).
وتنفس المأمون بن ذى النون الصعداء لوفاة خصمه الألد، وهدأت الأمور في الثغر الأعلى، إذ قسمت مملكة ابن هود بين أولاده الخمسة كما سيجىء، بيد أن المأمون لم يلتزم السلم والهدوء طويلا، بل اتجه إلى مخاصمة بني الأفطس جيرانه من الغرب، ونشبت بينه وبين المظفر ابن الأفطس صاحب بطليوس سلسلة من المعارك المحلية، لم تسفر عن أية نتائج ذات شأن. وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن هذه المعارك، قد نشبت بين الفريقين على الأرجح بعد سنة ٤٤٣ هـ (١٠٥١ م).
وكان فرناندو ملك قشتالة، قد عاد في تلك الآونة إلى الإغارة على أراضي مملكة طليطلة، ولكن في تلك المرة لحسابه الخاص، وكان هذا الملك القوي، يطمح إلى إخضاع ممالك الطوائف الضعيفة المتخاصمة، أو على الأقل إلى أن يرهقها بمطالبه في أداء الجزية، ثم يتوصل باستصفاء أموالها إلى إضعافها. ففي سنة ١٠٦٢ م (٤٥٤ هـ) خرج في جيش قوي من الفرسان والرماة، وانقض على أراضي مملكة طليطلة الشمالية، فخربها وعاث فيها عيثاً شديداً، ولم يجد المأمون في النهاية بداً من أن يذعن إلى طلب الصلح، وأن يتعهد بأداء الجزية.
وكان من أهم أعمال المأمون بعد ذلك، استيلاؤه على بلنسية وأعمالها. وكانت بلنسية يومئذ تحت حكم عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي عامر، وهو حفيد للمنصور وكان قد ولي حكمها على أثر وفاة أبيه عبد العزيز في آخر سنة ٤٥٢ هـ، وكان صهراً للمأمون بن ذى النون، تزوج ابنته عقب وفاة أخيه زوجها الأول، فأهانها وأساء عشرتها، لما كان عليه من ذميم الصفات، والخلاعة، والانهماك في الشراب، والانحطاط في مهاوي اللذات الوضيعة. فحقد عليه المأمون وأضمر له الشر، وكانت ثمة أسباب سياسية أخرى لغضب المأمون على صهره، خلاصتها أنه طلب إليه أن يعاونه بالجند فاعتذر عبد الملك بأنه لا يستطيع بذل مثل هذه المعاونة، نظراً لتحالف الفتيان العامريين أمراء قسطلونة وشاطبة ومربيطر ضده، وتربصهم به. فاعتزم المأمون أمره ضد صهره، وهنالك في استيلاء
(١) راجع في حروب المأمون وابن هود، البيان المغرب ج ٣ ص ٢٧٨ - ٢٨٢، وأعمال الأعلام ص ١٧٨. وراجع دوزي: Hist. des Musulmans d'Espagne V.III.p. ٧٤-٧٥