المأمون على بلنسية روايتان الأولى، أنه قدم إلى بلنسية زائراً لصهره، فاستقبله عبد الملك هو وغلمانه وعبيده بقصره، فأقام لديه أياماً، ثم دبر له في ذات ليلة كميناً، فقبض عليه وعلى ابنه، وأخرجهما ليلا إلى بلدة شنت برية، واستولى بذلك على بلنسية بأيسر أمر.
وأما الرواية الثانية فتقول لنا إن المأمون استعد سراً لغزو بلنسية، واستعان بفرقة من الجند النصارى أمده بها حليفه فرناندو الأول صاحب السيادة الاسمية عليه، وأن القوات المتحالفة دهمت بلنسية، والبلنسيون مثل أميرهم غافلون غارقون في اللهو واللعب، فلم يستطع البلنسيون دفاعاً، ومزقت قواتهم، وقتل منهم عدد جم، وأسر عبد الملك بن أبي عامر وآله، ولم ينقذ حياته سوى تدخل زوجه ابنة المأمون. وتسمي الرواية هذه الموقعة بموقعة بطرنة، وهي بلدة من ضواحي بلنسية، وتنسب وقوعها إلى سنة ٤٥٥ هـ أو ٤٥٧ هـ أو ٤٥٨ هـ، بيد أن المرجح أنها وقعت في ذي الحجة سنة ٤٥٧ هـ (أكتوبر سنة ١٠٦٥ م). وتختلف الرواية في مصير عبد الملك بن أبي عامر، فيقال إن صهره المأمون اعتقله في شنت برية أو قلعة إقليش، أو قلعة قونقة (١).
ولم يمض قليل على ذلك حتى توفي فرناندو ملك قشتالة (ديسمبر ١٠٦٥)، وثارت بين أولاده الثلاثة سانشو ملك قشتالة، وألفونسو ملك ليون، وغرسية ملك جليقية، حرب أهلية استمرت أعواماً، وانتهت مرحلتها الأولى في سنة ١٠٧١ م، بانتصار سانشو واغتصابه ملك أخويه، والتجأ غرسية إلى حماية ابن عباد ملك إشبيلية، والتجأ ألفونسو إلى حماية المأمون بن ذى النون، وعاش في بلاط طليطلة زهاء تسعة أشهر معززاً مكرماً، حتى توفي أخوه سانشو قتيلا تحت أسوار سمورة، حينما أراد انتزاعها من يد أخته أوراكا، فغادر طليطلة إلى ليون واسترد عرشه. ويقال إنه حينما وصل إليه نبأ وفاة أخيه وهو بطليطلة أخفاه، وأراد أن يغادرها سراً، ففطن المأمون إلى ذلك، وحاول اعتقاله، ولكنه استطاع الفرار. وعلى أي حال، فإن ألفونسو، استطاع خلال إقامته بطليطلة في ضيافة صديقه وحاميه المأمون، أن يدرس أحوالها وأحوال بلاطها،
(١) راجع البيان المغرب ج ٣ ص ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٦١ و ٢٦٧ و ٣٠٣، ودوزي: Hist. des Musulmans d'Espagne V.III.p. ٧٩ , وراجع أيضاً اشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين (الطبعة الثانية سنة ١٩٥٨) ص ٤٩.