للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضاً ألفونسو السادس، وانتزع منه مدينة قورية من أملاكه الشمالية المجاورة لأراضي طليطلة.

وهكذا تركت المدينة المنكوبة لمصيرها. وفي خريف سنة ٤٧٧ هـ (١٠٨٤ م) اقترب ألفونسو السادس بقواته من المدينة، ونزل بالمنية المسورة الواقعة في منحنى نهر التاجُه، وهي المنية الشهيرة التي كان المأمون بن ذى النون قد زودها بالقصور الفخمة والبساتين اليانعة، وجعل منها جنة يخلد إليها أيام أنسه ولهوه، وهي التي تعرفها الرواية القشتالية ببستان الملك Huerta del Rey. ويقول ابن بسام في وصفها " المنية المسورة، التي كان المأمون يحشد إليها كل حسن، ويباهي بها جنة عدن " (١). وضرب ألفونسو الحصار حول طليطلة. ثم دخل الشتاء, وشحت الأقوات، واشتد الأمر بأهل المدينة. وكان موقف القادر بن ذى النون مريباً، ولم يكن دون شك متفقاً في الشعور مع الحزب المناوىء لملك قشتالة المتشدد في مقاومته، وكان جماعة من هؤلاء يعملون بكل ما وسعوا لإطالة أمد المقاومة، عسى أن يمل ملك قشتالة ويخبو عزمه، أو أن يتقدم لإنجادهم أحد.

وكان الأمر يشتد بالمدينة المحصورة يوماً عن يوم، حتى تحرج الموقف, واضطر الزعماء والقادة بالاتفاق مع القادر أن يرسلوا إلى ملك قشتالة وفداً للتحدث في أمر الصلح، فأبى أن يستقبلهم، واستقبلهم وزيره سسنندو (ششنند). وكان هذا الوزير في الأصل من النصارى المستعربين، أسر حدثاً وربي في بلاط إشبيلية، وظهر أيام المعتضد بن عباد، وسفر بينه وبين فرناندو ملك قشتالة، ثم نزح إلى جلِّيقية، وخدم فرناندو، ثم من بعده ولده ألفونسو، وكان داهية ذا براعة فائقة، فانتهى بأن وطد صولة ألفونسو لدى معظم ملوك الطوائف، والتزموا بأداء الجزية. فلما قصد إليه وفد طليطلة استمع إليهم، وأبدى أنه لا فائدة من المفاوضة، وأنه لا أمل بأن يتزحزح الملك النصراني عن موقفه قيد شعرة، وأنه لابد من تسليم المدينة. ويقول لنا ابن بسام في هذه المناسبة إن سسنندو أدخل زعماء طليطلة لدى مليكه، وأن ألفونسو حين أفضوا إليه أنهم ينتظرون العون والإنجاد من بعض ملوك الطوائف، أنبهم وسخر منهم، واستدعى من خيامه


(١) ابن بسام في الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١٢٨. ويقوم اليوم مكانها حصن سان سرفاندو San Servando

<<  <  ج: ص:  >  >>