سفراء ملوك الطوائف، وقد كانوا جميعاً يومئذ لديه يسعون إلى خطب وده، ويقدمون إليه الأموال، وأن زعماء طليطلة خرجوا من لدنه، يتعثرون في أذيالهم، وقد فقدوا كل أمل وأيقنوا بسوء المصير (١).
وكان قد مضى على حصار القشتاليين للمدينة يومئذ زهاء تسعة أشهر، وقد تفاقم الخطب، وبلغت الشدة بالمحصورين أقصاها، وتحطمت كل محاولة لعقد الصلح مع ملك قشتالة، سواء من جانب القادر للاعتراف بطاعته والحكم باسمه، أو من جانب زعماء المدينة، ولم تجد صلابة أولئك الذين تمسكوا بالمقاومة والدفاع حتى الموت شيئاً، وغلب صوت العامة الذين أضناهم الجوع والحرمان. ولم تمض ثلاثة أيام على تلك المقابلة، حتى عرضت المدينة التسليم لملك قشتالة. ويلخص الأب ماريانا، وهو من أقدم المؤرخين الذين كتبوا عن سقوط طليطلة شروط التسليم فيما يلي:" أن يسلم القصر وأبواب المدينة والقناطر وحديقة الملك (وقد كانت حديقة نضرة غناء على ضفة التاجه) إلى الملك ألونسو (ألفونسو)، وأن يذهب الملك المسلم حراً إلى مدينة بلنسية وفقاً لرغبته، وأن يسمح بالحرية لمن شاء أن يتبعه من المسلمين، وأن يأخذوا معهم أموالهم. وأما الذين يقيمون في المدينة، فلا تؤخذ منهم أمتعتهم ولا أملاكهم، وأن يبقى المسجد الجامع بأيدي المسلمين يقيمون فيه شعائرهم، وألا تفرض عليهم ضرائب أكثر مما كانوا يدفعونه لملوكهم، وأن تجري عليهم أحكام شريعتهم، وعلى يد قضاتهم المسلمين دون غيرهم، وأن يقسم الطرفان كل وفق تقاليده على احترام هذه العهود، وأخيراً أن يقدم أهل المدينة لفيفاً من أعيانهم كرهائن ". على أن هذا النص الذي يقدمه ماريانا ينقصه شىء من الدقة في بعض تفاصيله. والمتفق عليه، أن شروط تسليم طليطلة قد صيغت على النحو الآتي: أن يؤمن أهل المدينة في النفس والمال، وأن يغادرها من شاء منهم حاملين أموالهم، وأن يسمح لمن عاد منهم باسترداد أملاكهم، وأن يؤدي المقيمون بها إلى ملك قشتالة ما كانوا يؤدونه لملوكهم من الضرائب والمكوس وأن يحتفظ المسلمون إلى الأبد بمسجدهم الجامع، وأن يتمتعوا أحراراً بإقامة شعائرهم وأن يحتفظوا بقضاتهم وشريعتهم، وأن يسلموا إلى ملك قشتالة سائر القلاع
(١) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١٢٩ و ١٣٠.