عليه زهاء أربعة قرون، وأضحى تفوق القوى النصرانية أمراً لا شك فيه. ومن ذلك الحين تدخل سياسة الإسترداد الإسبانية " لاريكونكستا La Reconquista , في طور جديد قوي، وتتقاطر الجيوش القشتالية لأول مرة، منذ الفتح الإسلامي، عبر نهر التاجه، إلى أراضي الأندلس، تحمل إليها أعلام الدمار والموت، وتقتطع أشلاءها تباعاً، في سلسلة لا تنقطع من الغزوات والحروب.
وكان لظفر ألفونسو السادس بالاستيلاء على طليطلة، فضلا عن آثاره المادية الخطيرة، وقع أدبي عميق في سائر ممالك اسبانيا النصرانية، فقد كانت طليطلة عاصمة المملكة القوطية القديمة، وكانت إلى جانب ذلك حاضرة اسبانيا الدينية، وقد وطد استيلاء ملك قشتالة عليها، مركز الصدارة الذي يتمتع به بين زملائه ملوك اسبانيا النصرانية، ووطد هيبته الملوكية والإمبراطورية، فأضحوا جميعاً يقرون له بلقب الإمبراطور، الذي اتخذه لنفسه. ومن جهة أخرى، فقد كان لتلك النكبة التي حلت بالإسلام في اسبانيا، أعظم وقع في جنبات الأندلس، وفي سائر أنحاء العالم الإسلامي، وقد ارتاع لها ملوك الطوائف جميعاً، وأدركوا بعد فوات الوقت، أنها نذير بالقضاء عليهم واحداً بعد الآخر، وأدرك المعتمد بن عباد ْبالأخص، وهو أشد ملوك الطوائف مسئولية عما حدث، أنه لن يمضي وقت طويل حتى يواجه نفس الخطر الداهم. بيد أن النكبة كانت في نفس الوقت نقطة تحول عظيم في تفكير أولئك الأمراء المتخاصمين المتنابذين، ملوك الطوائف، وفي روحهم، فجنحوا جميعاً ولأول مرة إلى اجتماع الكلمة، ونبذ الشقاق، واتجهوا بأنظارهم جميعاً، إلى ما وراء البحر يلتمسون غوث إخوانهم في الدين، إلى أولئك البربر المرابطين، الذين كان لتدخلهم في سير الحوادث بالأندلس، أعظم الآثار (١).
وأذكى رزء الأندلس بفقد طليطلة، فجيعة الشعر الأندلسي، ونظمت في بكائها القصائد الرائعة. وكان من أشهرها هذه القصيدة الرائية الكبرى، التي مطلعها:
(١) راجع في حوادث سقوط طليطلة: الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١٢٧ - ١٣٢، وأعمال الأعلام ص ١٨١، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦١، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٢٢ و٥٢٣، وراجع أيضاً R.Menendez Pidal: La Espana del Cid p. ٣٠٣-٣٠٧، ودوزي Hist. des Musulmans de l'Espagne, V.III.p.١٢٠ et suiv. وكذلك: P.y Vives Los Reyes des Taifas p. ٥٤ & ٥٦