للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاصداً إلى بلنسية، واستقر أياماً بمحلة ملك قشتالة واضعاً نفسه تحت حمايته، وكان ملك قشتالة قد وعده بأنه إذا تعذر تحقيق غايته في الحصول على بلنسية بطريقة سلمية، فإنه سوف يبعث لمعاونته قائده الشهير ألبرهانيس. وقد ظهر للقادر بالفعل، خلال مسيره من موقف الحصون المختلفة، أنها جميعاً تقف ضده ولم يبق على ولائه منها سوى حصن قونقة، فنزل به القادر وصحبه، حتى تتهيأ له ظروف العمل. وسوف نعود إلى تتبع أخباره فيما بعد.

ويصف لنا ابن بسام خروج القادر من طليطلة في تلك العبارات اللاذعة:

" وخرج ابن ذى النون خائباً مما تمناه، شرقاً بعقبى ما جناه، والأرض تضج من مقامه وتستأذن في انتقامه، والسماء تود لو لم تُطلع نجماً إلا كدرته عليه حتفاً مبيداً، ولم تنشىء عارضاً، إلا مطرته فيه عذاباً شديداً، واستقر بمحلة أذفنش، مخفور الذمة، مذال الحرمة، ليس دونه باب، ولا دونه حرمه ستر ولا حجاب " (١).

ويبدي ابن الخطيب شماتته في القادر وفي أهل طليطلة حين يقول: " واقتضاه الطاغية الوعد، وسلبه الله النصر والسعد. وهلكت الذمم، واستؤصلت الرمم، ونفذ عقاب الله في أهلها جاحدي الحقوق، ومتعودي العقوق، ومقيمي أسواق الشقاق والنفاق، والمثل السائر في الآفاق " (٢).

* * *

وهكذا سقطت الحاضرة الأندلسية الكبرى، وخرجت من قبضة الإسلام إلى الأبد، وارتدت إلى النصرانية حظيرتها القديمة، بعد أن حكمها الإسلام ثلاثمائة وسبعين عاماً. ومن ذلك الحين تغدو طليطلة حاضرة لمملكة قشتالة، ويغدو " قصرها " منزلا للبلاط القشتالي، بعد أن كان منزلا للولاة المسلمين.

وقد كانت بمنعتها المأثورة، وموقعها الدفاعي الفذ، في منحنى نهر التاجه، حصن الأندلس الشمالي، وسدها المنيع الذي يرد عنها عادية النصرانية، فجاء سقوطها ضربة شديدة لمنعة الأندلس وسلامتها. وانقلب ميزان القوى القديم، فبدأت قوى الإسلام تفقد تفوقها في شبه الجزيرة، بعد أن استطاعت أن تحافظ


(١) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١٣٠.
(٢) أعمال الأعلام ص ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>