للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزولهم، ولذلك ما كنت أقوي نفوسكم، وقد نجانا منهم برحمته، ومضى القوم ولم يعدموا إلا رئيسهم، واستخلافه هين عليهم، ولست آمن عودهم جملة إليكم فيما بعد، فلا يكون لنا قوام بهم ". هذا ومن جهة أخرى فقد كان زاوي يخشى من غدر بربر زناتة أعدائهم الحقيقيين، ويخشى بالأخص أن يتحالفوا ضدهم مع أهل الأندلس، فتكون الطامة الكبرى عليهم. وأخيراً فقد كان زاوي يرى بعد وفاة باديس بن المنصور أمير إفريقية، الذي اضطهده وقومه، وولاية ولده الطفل المعز حفيد أخيه بلكين، أن الجو قد تهيأ لعودته، واحتلال مكانته في وطنه. ومن ثم فقد اعتزم زاوي أن يغادر الأندلس إلى إفريقية، وقال لقومه: " فالرأي الخروج عن أرضهم، واغتنام السلامة مع إحراز الغنيمة، والرجوع إلى الحملة التي انفصلنا عنها" (١).

وهكذا قرر زاوي بن زيري العودة إلى إفريقية بالرغم من معارضة ولده ووجوه قومه. وخرج عن غرناطة في أهله وأمواله، مستخلفاً عليها بعض شيوخ قومه، وركب البحر من المنكب، ومعه الكثير من الأموال والذخائر. وكان خروجه من الأندلس في سنة ٤١٠ هـ (١٠٢٠ م). واستقبله حفيد أخيه المعز ابن باديس صاحب إفريقية وبنو عمه أجمل استقبال، وأنزل في القيروان أجمل منزل، وكان بعد مهلك الشيخة من بني عمه وذوي قرابته زعيم القوم، وكان النساء من محارمهم نحو ألف امرأة لا يحتجبن عنه. بيد أنه لم يلق بالقيروان في ظل المعز، ما كان يؤمل من رياسة وسلطان (٢).

قال ابن الخطيب: " وكان زاوي كبش الحروب، وكاشف الكروب، خدم قومه، شهير الذكر أصيل المجد، المثل المضروب في الدهاء، والرأي، والشجاعة والأنفة والحزم " (٣).

وعلى أثر ارتحال زاوي سعى الفقيه ابن أبي زمنين قاضي غرناطة، في أن يعين لولايتها حبوس بن ماكسن ابن أخى زيري، فلحق به في حصن أشتر على مقربة


(١) راجع التبيان أو مذكرات الأمير عبد الله ص ٢٤ و ٢٥، والذخيرة القسم الأول المجلد الأول ص ٤٠٢ و ٤٠٣، والبيان المغرب ج ٣ ص ١٢٨، وابن خلدون ج ٦ ص ١٨٠.
(٢) الذخيرة القسم الأول، المجلد الأول ص ٤٠٢، والإحاطة (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ٥٢٥.
(٣) الإحاطة ج ١ ص ٥٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>