للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شجاعاً، حسن الفروسية، جباراً متكبراً، داهية واسع الحيلة، كامل الرجولة، له في كل ذلك أخبار مأثورة " (١).

- ٢ -

فخلفه في حكم غرناطة ولده باديس، الذي قدر له أن يكون أقوى ملوك البربر في جنوبي الأندلس، وأعظمهم شأناً، في تلك الفترة التي كثرت فيها الممالك والرياسات، ولم ينازعه في الملك أخوه بُلُقِّين بن حبوس، ولكن كان له في الملك منافس من قومه، هو ابن عمه يدِّير بن حُباسة بن ماكسن. وكان يدير ومن ورائه بعض شيوخ غرناطة يحاول منذ أيام عمه حبوس، أن ينتزع السلطة لنفسه، فلما فشل أيام حبوس، حاول أن يعيد الكرة في أوائل عهد باديس.

وكان من مشجعيه ومحرضيه الكاتب أبو الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني، وهو من علماء المشرق الذين وفدوا على الأندلس أيام الفتنة، ولحق بغرناطة. وكان فضلا عن أدبه الغزير، يعني بدراسة الفلك والحكمة، ويلقي بنبوءاته في روع يدير، أنه سوف يظفر بعرش غرناطة، ويحكمها ثلاثين عاماً (٢).

وكان لأبي العباس كاتب حبوس، مساعد من اليهود يدعى أبو إبراهيم يوسف ابن اسماعيل بن نغرالة كان يتولى جمع المال، وكان رجلا متواضعاً حسن السيرة، فلما توفي أبو العباس تقدم مكانه، وعلت منزلته، ولما ولي باديس زادت حظوته وظهرت همته في جمع الأموال. فلما دبر القوم مؤامرتهم لانتزاع السلطة من باديس وإجلاس يدير مكانه، لجأوا إلى أبي إبراهيم، وحاولوا ضمه إليهم، فتظاهر بالقبول، وأخطر مولاه باديس ودبر اجتماعهم بمنزله، وحضور باديس ليسمع بنفسه مشاوراتهم من مكان معين، ومن ذلك الحين غدا ذلك اليهودي أثيراً عند باديس، وصار ناصحه الأول، لا يبرم أمراً دون رأيه.

وكان المتآمرون قد اعتزموا أمرهم لقتل باديس، أثناء تنزهه، بمكان بالضاحية يعرف بالرملة، وكان ممن رشوه لذلك شيخ من صنهاجة يدعى فرقان. فأفضى بالأمر لباديس وحذره في الوقت المناسب، وعلم المتآمرون بافتضاح تدبيرهم، ففروا إلى خارج غرناطة، وفي مقدمتهم يدير بن حباسة والكاتب أبو الفتوح


(١) الذخيرة القسم الأول المجلد الأول ص ٤٠٤.
(٢) الإحاطة ج ١ ص ٤٦٣ و ٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>