للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان له في حكومة ألمرية، في ظل صاحبها زهير، أعظم نفوذ وسلطان (١).

وكان من أثر مصرع زهير، وانهيار حكومته على هذا النحو، أن استولى باديس على القسم الغربي من أراضي مملكة ألمرية المتاخمة لمملكته، وهي تشمل مدينة جيان وأعمالها، وكذلك جزءاً من أراضي ولاية قرطبة الجنوبية.

* * *

وكان لهذا النصر الباهر الذي أحرزه باديس في بداية حكمه، أعظم أثر في توطيد سلطانه وإذاعة ذكره. وكان باديس، مثل معظم أمراء البربر في جنوبي الأندلس، يتوجس من أطماع القاضي ابن عباد صاحب إشبيلية ومشاريعه.

وكانت المعركة الحقيقية، تدور في هذا القسم من اسبانيا المسلمة، بين بني عباد والبربر، وقد بدأت منذ الساعة الأولى بين بني عباد وبني حمود، الذين يمثلون زعامة البربر. ومن ثم فقد كان باديس، ومن قبله والده حبوس، ينضوي تحت لواء الحموديين، ويشد أزرهم كلما دعت الظروف، وقد أشرنا من قبل إلى ما كان من مسير حبوس في قوات صنهاجة لمعاونة إدريس المتأيد بالله على محاربة ْابن عباد (٤٢٧ هـ). ولما سير القاضي ابن عباد قواته تحت إمرة ولده إسماعيل لغزو مدينة قرمونة، وانتزاعها من يد صاحبها محمد بن عبد الله البرزالي، استعان البرزالي بإدريس المتأيد وباديس، فهرعا إلى إنجاده، وكانت قرمونة قد سقطت بالفعل في يد إسماعيل بن عباد، ونشبت بين قوى العباديين وبين البربر على مقربة من إستجة معارك شديدة انتهت بهزيمة جيش ابن عباد، ومقتل قائدهم إسماعيل، وذلك في المحرم سنة ٤٣١ هـ (أواخر سنة ١٠٣٩ م) (٢). وهكذا أكد باديس مرة أخرى تفوقه وتفوق قومه صنهاجة على قوات الأندلس المناوئة للبربر.

ومما هو جدير بالذكر أنه على أثر انتهاء المعركة، ووجود باديس تحت أسوار إستجة، وفد على مخيمه فجأة الكاتب أبو الفتوح الجرجاني، وكان قد فر حسبما تقدم عند اتهامه بالتآمر مع يدِّير على إشبيلية، وهنالك علم أن باديس أمر بالقبض


(١) راجع في ترجمة أحمد بن عباس: الإحاطة ج ١ ص ٢٦٧ - ٢٧٠، والذخيرة القسم الأول المجلد الثاني ص ١٧٥ - ١٨٠.
(٢) البيان المغرب ج ٣ عى ١٩٩، وابن خلدون ج ٦ ص ١٨٠، والمعجب للمراكشي ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>