للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحبه الجند لعدله ورفقه ولينه، وجمعت هيبته كلمة القبائل، فتراضت مضر وحمير، وعاد الوئام نوعاً في الإدارة والجيش، واستقبلت الأندلس عهداً جديدا.

وبدأ عبد الرحمن ولايته بزيارة الأقاليم المختلفة فنظم شئونها، وعهد بإدارتها إلى ذوي الكفاية والعدل، وقمع الفتن والمظالم ما استطاع، ورد إلى النصارى كنائسهم وأملاكهم المغصوبة، وعدل نظام الضرائب وفرضها على الجميع بالعدل والمساواة، وقضى صدر ولايته في إصلاح الإدارة، ومعالجة ما سرى إليها في عهد أسلافه من عوامل الاضطراب والخلل. وعني بإصلاح الجيش وتنظيمه عناية خاصة، فحشد الصفوف من مختلف الولايات، وأنشأ فرقاً قوية مختارة من فرسان البربر بإشراف نخبة من الضباط العرب، وحصن القواعد والثغور الشمالية، وتأهب لإخماد كل نزعة إلى الخروج والثورة (١).

وكانت الثورة في الوقع توشك أن تنقض في الشمال، وبطلها في تلك المرة زعيم مسلم هو حاكم الولايات الشمالية. فمن هو ذلك الزعيم الثائر؟ إن الرواية الإسلامية تلتزم الصمت إزاء شخصية هذا الزعيم، وإزاء الحوادث التي اقترنت باسمه. وكل ما هنالك أن صاحب البيان المغرب يقول لنا في حديثه عن ولاية الهيثم بن عبيد الكناني " وهو الذي غزا أرض منوسة " (٢). ثم يردد المقري هذه العبارة في قوله مشيراً أيضا إلى الهيثم " وغزا أرض منوسة فافتتحها " (٣). ويبدو لأول وهله من استقراء هاتين الإشارتين القصيرتين، أن " منوسة " تنصرف فيما يرجح إلى المكان، ومنوسة قد تكون مدينة " ماسون " وهي التي غزاها الهيثم ضمن، غزواته في أرض فرنسا. ولكن معظم الروايات النصرانية والفرنجية المعاصرة، تحدثنا في نفس الوقت عن شخصية زعيم مسلم يدعى Munuza " منوزا " أو Munez " مونز "، وهو كما يبدو مطابق لاسم " منوسة "، تسرد لنا سلسلة من الحوادث الهامة التي اقترنت باسمه. وفي موطن واحد فقط تقول الرواية النصرانية إن منوسة كان زعيماً نصرانياً من زعماء منطقة الأسترياس، وأنه كان حاكماً لمدينة خيخون (٤). ولنسلم نحن بهذه المطابقة بين الإسمين،


(١) Conde ; ibid V.I.p. ٨٢ & ٨٣
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٧
(٣) نفح الطيب ج ١ ص ١٠٩.
(٤) Cronica General ; Vol.I.p.٣١٩ & V.II.p.٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>