للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأمور، ولا ينكسر لأحد من بني عمه، ثقة منه بسعادته، وأن الانخضاع والتمريض في القول لا يعنيه، ولا يزيد في أيامه. وكان ذلك كله منه في حزم وروية، لا يفسد جانباً حتى يصلح آخر، ويضرب بعضهم ببعض، فوجست أنفس البعض منه، وأشربوا هيبته ومخافته " (١).

والخلاصة أن باديس كان طاغية من أقوى الطغاة البربر، الذين عرفتهم الأندلس، ومن أشدهم دهاء وقسوة وإقداماً، ومن أكثرهم ظفراً في الحروب.

وكان أسوة بسائر ملوك الطوائف، قد اتخذ ألقاب الملك، وتلقب بالمظفر بالله، الناصر لدين الله.

- ٥ -

ولما توفي باديس المظفر بالله، اتفق رجال الدولة وشيوخ صنهاجة على تولية حفيده عبد الله بن بُلُقِّين مكانه، وكان صبياً حدثاً. وكان أخوه الأكبر تميماً يتولى حكم مالقة منذ أيام جده. أما ماكسن ولد باديس، فقد كان خارجاً على أبيه حسبما ذكرنا من قبل، وكان قد عاد إلى مدينة جيان، وامتنع بها، وكان سيىء الخلال والسيرة، فلم يلتفت إليه، ولم يقم أحد بدعوته، وتولى تدبير الدولة ورعاية الملك الصبي، الوزير سماجة أحد شيوخ صنهاجة، وكان هذا الوزير رجلا حازماً، قوي العزم، شديد السطوة، مرهوب الجانب، فضبط الدولة، واستأثر بالسلطة، وأحسن السيرة.

وكان المعتمد بن عباد يرقب سير الحوادث في غرناطة. فلما توفي باديس، وخلفه حفيده الصبي، أدرك أن الفرصة قد سنحت لتحقيق مشاريعه، فسار في قواته إلى مدينة جيان، أهم قواعد مملكة غرناطة الشمالية، واستولى عليها (٤٦٦ هـ - ١٠٧٤ م). ثم سار بعد ذلك إلى غرناطة في قوات كبيرة، وابتنى بعض الحصون على مقربة منها، لكي يستطيع بواسطتها إرهاق المدينة. فحشد الوزير سماجة قوات صنهاجة، وأبدى منتهى العزم في مقاومة المغيرين، فاضطر ابن عباد أن يعود أدراجه دون طائل (٢). ورأى الأمير عبد الله بتوجيه وزيره سماجة، أن يعقد مع ألفونسو السادس ملك قشتالة، على نسق معظم أمراء الطوائف، معاهدة


(١) كتاب التبيان ص ٢٧.
(٢) أعمال الأعلام ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>