للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشل تدبيره، ثم عدل عنه بعد ذلك حينما أيد نصح وزيره بعض شيوخ صنهاجة (١).

وتشيد الروايات المعاصرة والقريبة من العصر، بما كان عليه باديس من القوة والطغيان والجبروت. فيقول لنا عنه معاصره ابن حيان: " إنه أرفع أملاك البرابرة في هذا الوقت شأناً، وأشدهم سلطاناً، وأكثرهم رجالا، وأوسعهم أعمالا أملى النصر العزيز علي الأعداء إملاء واختياراً، فلبسه بغياً واستكباراً، وأساء الانتقام، ولم يقل العثرة، وأخذ بالظنة، وأسرف في العقوبة، وشدّ يداً بالعصبية وتقلد الحمية الجاهلية، واستأثر بالقسوة والجبرية، فأسلف في ذلك كله أخباراً مأثورة " (٢). ويقول لنا الفتح في القلائد بعبارته المسجعة المنمقة: " كان باديس ابن حبوس بغرناطة، عاتياً في فريقه، عادلا عن سنن العدل طريقه، يجتري على الله غير مراقب، ويسري إلى ما شاء غير ملتفت للعواقب، قد حجب سنانه لسانه، وسبقت إساءته إحسانه، ناهيك من رجل لم يبت من ذنب على ندم، ولم يشرب الماء إلا من قلب دم. أحزم من كاد ومكر، وأجرم من راح وابتكر، وما زال متقداً في مناحيه، مفتقداً لنواحيه، لا يرام بريث ولا عجل، ولا يبيت له جار إلا على وجل " (٣).

ويقدم إلينا عنه ابن الخطيب تلك الصورة القوية الجامعة: " كان رئيساً يبساً، طاغية جباراً شجاعاً، داهية، حازماً، جلداً شديد الأمر، سديد الرأي، بعيد الهمة، مأثور الإقدام، شره السيف، واري زناد الشر، جماعة للمال، ضخمت به الدولة، ونبهت الألقاب، وأمنت لحمايته الرعايا، وطم تحت جناح سيفه العمران، واتسع بطاعته المرهبة الجوانب ببأسه النظر، وانفسخ الملك، وكان ميمون الطائر، مطعم الظفر، مصنوعاً له في الأعداء، يقنع أقتاله بسلمه، ولا يطمع أعداؤه في حربة " (٤).

على أن حفيده الأمير عبد الله بن بلقين، يحاول أن يقدمه إلينا في صورة أقل جفاء، وأكثر إشراقاً حين يقول: " وكان باديس بن حبوس - جدنا رحمه الله -، كبير النفس، عالي الهمة، حاد المزاج، لا يستطيع أحد أن يمخرق عليه في أمر


(١) الإحاطة ج ١ ص ٤٤٥ و ٤٤٦، والبيان المغرب ج ٣ ص ٣١٤.
(٢) نقله أعمال الأعلام ص ٢٣٠.
(٣) قلائد العقيان ص ١٨.
(٤) الإحاطة ج ١ ص ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>