ابن عباد ما فتىء يترقب الفرصة للاستيلاء على هذه المنطقة التي تجاوره من الجنوب الشرقي، وتفصله عن إمارة رندة، وهي التي كان يطمح إلى أخذها في نفس الوقت، فعمد إلى الإغارة عليها، وتخريب أراضيها وإرهاقها بكل الوسائل وابتنى حصناً على مقربة من أركش وشحنه بالمقاتلة لمضايقتها بطريقة منظمة، والقائم صامد يدافع عن أراضيه ما استطاع. وأخيراً ألفى القائم أنه لا يستطيع مدافعة ابن عباد إلى النهاية، فلجأ إلى باديس بن حبوس أمير غرناطة، واتفق معه على أن يعطيه قلعة أركش وسائر البلاد التي تحت حكمه، على أن يعطيهم أرضاً من بلاده ينزلون بها ويقيمون فيها، وبعث باديس بقوة كبيرة من جنده ليعاونهم على الجلاء. وخرج بنو إرنيان من أركش بأهلهم وأموالهم، يقصدون إلى أرض غرناطة. وكان ابن عباد قد رتب الكمائن لاعتراضهم، فما كادوا يبتعدون بأحمالهم عن القلعة حتى خرجت كمائن ابن عباد، ونشب بين الفريقين قتال مرير، دافع فيه بنو إرنيان عن أنفسهم وعن أموالهم وحريمهم أشد دفاع، بيد أنهم مزقوا في النهاية، وقتل أميرهم محمد بن خزرون وقتل معه قائد جند باديس، وأبيد معظمهم. ومما يذكر أن محمداً بن خزرون لما شعر بالهلاك أمر غلامه أن يقتل زوجته وكانت رائعة الحسن، وكذلك أخته، حتى لا تقعا في أيدي العدو، واكتفى ابن عباد بتمزيق بني إرنيان وترك فلولهم دون مطاردة، ودخل أركش واستولى على سائر البلاد التابعة لها، وذلك في سنة ٤٦١ هـ (١٠٦٨ م)(١) وهكذا سقطت الإمارات البربرية الصغيرة الأربع، التي تقع في منطقة المثلث الإسباني الجنوبي، وضمت كلها تباعاً إلى مملكة إشبيلية القوية، وذلك خلال أعوام قلائل فقط، رندة في سنة ٤٥٧ هـ، ومورور سنة ٤٥٨ هـ، وقرمونة سنة ٤٥٩ هـ، وأركش في سنة ٤٦١ هـ.
وأضحت مملكة إشبيلية، بعد الاستيلاء على تراث هذه الإمارات، تمتد من ولاية تدمير شرقاً، حتى المحيط الأطلنطي غرباً، ومن وسط الأندلس، من شرقي مملكة طليطلة، وغربي مملكة قرطبة شمالا، حتى أرض الفرنتيرة، وثغر الجزيرة جنوباً، وإذا استثنينا مملكتي ألمرية وغرناطة، فإن مملكة إشبيلية كانت تضم معظم تراث الدولة الأموية الذاهبة في وسط الأندلس وفي جنوبها.
(١) راجع أعمال الأعلام ص ٢٣٩ و ٢٤٠، والبيان المغرب ج ٤ ص ٢٧١ و ٢٧٢ وذيله ج ٣ ص ٢٩٤ و ٢٩٥.