فخلفه في الإمارة ولده مناد بن محمد بن نوح، وتلقب بعماد الدولة، وسار على سنة أبيه من الصرامة والحزم، وقصده البربر من إشبيلية وإستجة وزادت جموعه، واستمر محافظاً على سلطانه، والمعتضد بن عباد يكرر الإغارة على أراضيه، ويحرق بلاده وزروعه، ويرهقه بطريقة قاسية منظمة. فلما ضاق بهذا العدوان المستمر، ولما شعر في النهاية أنه عاجز عن الدفاع عن إمارته، كتب إلى المعتضد، يسأله الأمان والمسالمة على أن يسلمه أراضيه، ويخرج إلى إشبيلية، يعيش فيها تحت كنفه، فأجابه المعتضد إلى رغبته، وسلم إليه عماد الدولة حصن مورور، وما يتبعه من حصون وأعمال، وذلك في سنة ٤٥٨ هـ (١٠٦٦ م)، وانتهت بذلك مملكة بني دمّر الصغيرة، وأضيفت إلى أعمال مملكة إشبيلية الشاسعة.
وسار عماد الدولة إلى إشبيلية في أهله وأمواله، وبالغ المعتضد في إكرامه والتوسعة عليه، وعاش هناك حتى توفي في سنة ٤٦٨ هـ (١٠٧٥ م).
٤ - دولة بني خزرون في أركش
وكانت دولة بني خزرون هي رابعة الإمارات البربرية الصغيرة في تلك المنطقة. وبنو خزرون هم من أبناء قبيلة يرنيان أو إرنيان من زناتة، وكان زعيمهم أبو عبد الله محمد بن خزرون بن عبدون الخزري، وهو كغيره من زعماء البربر الوافدين على الأندلس أيام الدولة العامرية، قد ظهر أيام الفتنة بمدينة قلشانة بكورة شذونة على مقربة من أركش، وذلك في سنة اثنتين وأربعمائة.
ثم تغلب على مدينة أركش المنيعة، وأقام بها حكومة مستقلة تشمل الأنحاء المجاورة، وتلقب بعماد الدولة، وكان زعيماً جسوراً مقداماً، سفاكاً للدماء، فهابه الناس واستمر يحكم تلك المنطقة حتى توفي في سنة ٤٢٠ هـ (١٠٢٩ م). فخلفه ولده عبدون ابن خزرون، وبايعته البلاد المجاورة لأركش وقلشانة وشريش، واستمر حكمه زهاء خمسة وعشرين عاماً، إلى أن هلك بإشبيلية في الكمين الشائن، الذي استدرجه إليه المعتضد بن عباد هو وزميلاه محمد بن نوح الدمري، وأبو نور بن أبي قرة، حسبما أشرنا إلى ذلك غير مرة، وكان ذلك في سنة ٤٤٥ هـ (١٠٥٣ م).
فتولى الأمر من بعده أخوه محمد بن خزرون وتلقب بالقائم، وأخذ يحصن بلاده، ويتأهب لمقاومة ابن عباد بعد الذي بدا من غدره. والواقع أن