للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - دولة بني دمّر في مورون

وكانت ثالثة الإمارات البربرية في تلك المنطقة من الأندلس الجنوبية، هي إمارة بني دمر في مورور أو مورون (١). وكانت تشغل رقعة صغيرة تمتد حول مدينة مورور، وجنوباً حتى وادي لكه. وقام بها أيام الفتنة نوح بن أبي تزيري الدمّري زعيم بني دمّر. وقد كان بنو دمر من بربر تونس ومن بطون زناتة، وهم خوارج إباضية. وفد جدهم أبو تزيري إلى الأندلس أيام المنصور، وخدم كسائر زملائه الزعماء البرابرة في الجيش، وانحاز منذ أيام الفتنة إلى تلك المنطقة، واستقر بها وبسط عليها سلطانه. ولما توفي في سنة ٤٠٣ هـ (١٠١٣ م) خلفه ولده نوح بن أبي تزيري، واستمر في حكمها زهاء ثلاثين عاماً، ثم توفي سنة ٤٣٣ هـ (١٠٤١ م) فخلفه ولده محمد بن نوح. وكان محمد فتى غراً، وجندياً جاهلا، خلواً من الفضائل. بيد أنه كان مقداماً جسوراً، " وافر العنف والفتك " (٢). وكان حديث عهد بالإمارة، فاستبد وبغى وتلقب بعز الدولة، واستطاع بجرأته وصرامته، أن يحافظ على سلطانه وعلى أراضيه. وكان المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية ينظر بعين السخط إلى قيام تلك الإمارات الصغيرة بجوار مملكته القوية الشاسعة، ويعمل الفكرة في إزالتها، وكان حسبما تقدم يصانع أولئك الأمراء البربر أحياناً ويهاجمهم أحياناً أخرى، وقد ذكر لنا صاحب الذخيرة أنه استغل هذه السياسة المزدوجة تجاه إمارة مورور الصغيرة، فأغارت قواته على أراضي مورور، واستقبل محمد بن نوح هذا العدوان بالحلم والصبر، ولم يقابله بمثله (٣). وجنح المعتضد بعد ذلك إلى مصانعة ابن نوح، واستمالته بالصلات والهدايا، كما فعل ذلك مع زميليه، أبى نور صاحب رندة، وعبدون بن خزرون صاحب أركش، ثم دعاهم وصحبهم كما تقدم إلى زيارته في إشبيلية، ثم قبض عليهم وغدر بهم، وهلك في ذلك الكمين الخائن الذي رتبه المعتضد في سنة ٤٤٥ هـ (١٠٥٣ م) محمد بن نوح وابن خزرون. وفي رواية أخرى أن محمداً بن نوح لبث في


(١) وهي بالإسبانية Moron.
(٢) أعمال الأعلام ص ٢٣٩، وذيل البيان المغرب ج ٣ ص ٢٩٥.
(٣) نقله صاحب البيان المغرب ج ٣ ص ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>