للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يستميلهم بالصلات والدعوات الودية. وفي سنة ٤٤٥ هـ (١٠٥٣ م) وجه المعتضد دعوته لأبى نور، ولمحمد بن نوح الدمري صاحب مورور، والقائم ابن محمد بن خزرون أمير بني أرنيان وصاحب شذونة وأركش، لزيارته في إشبيلية، فساروا إليه في صحبهم وفرسانهم في أحسن زي وأكمل هيئة. وكان المعتضد قد دبر كمينه لاغتيالهم حسبما فصلناه من قبل في أخبار مملكة بني عباد، وانتهت هذه الدعوة الغادرة بالقبض على أولئك الأمراء وصحبهم وتكبيلهم بالأغلال ثم هلاك اثنين منهم، وهما ابن نوح وابن خزرون، في الحمام، وأفلت منهم هلال أبو نور، حيث أطلق المعتضد سراحه وأخلى سبيله.

وفي خلال ذلك كان باديس ولد هلال أبي نور، قد قام بالرياسة في غيبته أثناء اعتقاله بإشبيلية، وكان " فاسقاً مجرماً " فاستبد بالأمر، وأرهق الناس ببغيه وطغيانه، وأطلق العنان لشهواته الدنيئة، فاستباح الحرم وسطا على الأعراض هو وصحبه، فكانوا يأخذون الزوجات من أزواجهن، والبنات من آبائهن، ولم يفر حتى أقرب الناس إليه من خاصة محارمه. فلما تخلص أبو نور من الأسر، وعاد إلى رندة، وعلم بما وقع من ولده من العظائم، أمر في الحال بالقبض عليه وإعدامه وذلك في سنة ٤٤٩ هـ (١٠٥٧ م). انه لم تمض أشهر قلائل على ذلك حتى توفي أبو نور نفسه، وخلفه في الإمارة ولده أبو نصر فتوح بن أبي نور (١).

واستطال حكم أبى نصر زهاء ثمانية أعوام. وكان عادلا حسن السيرة. بيد أنه كان ميالا إلى الدعة منهمكاً في الشراب. وكان المعتضد بن عباد من جهة أخرى يتربص به ويترقب الفرصة لهلاكه، وانتهى بأن دس عليه رجلا من دعاته برندة يدعى ابن يعقوب، وكان فارساً مقداماً، فدهم أبا نصر ذات يوم في جماعة من صحبه، وهو في إحدى شرفات القصبة العليا، وصاحوا بشعار بني عباد، فحاول أبو نصر الفرار، ووثب من الشرفة فهوى إلى أسفل، فارتطم بالصخر وزهق على الأثر، ولم يأبه الناس لما حدث، ولم يتعرض للقتلة أحد, وانتهت بذلك دولة بني يفرن، واستولى ابن عباد على رندة وأعمالها بأيسر أمر، وكان ذلك في سنة ٤٥٧ هـ (١٠٦٥ م) (٢). ونظم المعتضد بهذه المناسبة قصيدته التي مطلعها:

لقد حصلت يا رندة ... فصرت لملكنا عقدة


(١) ذيل البيان المغرب ج ٣ ص ٣١٣.
(٢) ذيل البيان المغرب ج ٣ ص ٣١٣ و ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>