لإمامة هشام المؤيد، وهو الذي كان يعتبره فتيان الصقالبة إمامهم ومولاهم. وقد رأينا فيما تقدم من أخبار الدولة الحمودية، كيف ادعى علي بن حمود الحسني حاكم سبتة أيام الفتنة، أنه تلقى عهد هشام، وكيف تحالف معه خيران ثم عاونه بقواته، كما عاونه بربر غرناطة، وانتهى الأمر بأن زحفت القوات المتحدة على قرطبة، وكتب النصر لعلي بن حمود، ودخل قرطبة، ولما لم يعثر على هشام المؤيد بالقصر، دعا لنفسه بالخلافة، وبدأت بذلك دولة بني حمود (سنة ٤٠٧ هـ).
ثم رأينا كيف غادر خيران قرطبة مغضباً متوجساً من غدر علي بن حمود، وقصد إلى جيان، ودعا أصحابه بالخلافة لعبد الرحمن المرتضي، وأيده في تلك الحركة عدة من ولاة الثغور، ثم وقعت الحرب بين قوات المرتضي وبربر غرناطة، فهزم المرتضي ثم قتل، وعندئذ سار خيران في أصحابه، وقصد إلى ألمرية مرة أخرى، وكان ذلك في سنة ٤٠٩ هـ (١٠١٩ م).
والظاهر أن خيران، بالرغم من اتخاذه ألمرية قاعدته الرئيسية. قد لعب في حوادث شرقي الأندلس دوراً ملحوظاً. ذلك أن الفتيان العامريين في شرقي الأندلس، قد اتفق رأيهم على أن يتخذوا لهم رئيساً من سلالة مولاهم العظيم، المنصور بن أبي عامر، ينضوون جميعاً تحت لوائه من الناحية الأدبية، فوقع اختيارهم في ذلك على عبد العزيز بن عبد الرحمن بن المنصور، وكان فتى حدثاً ونحن نذكر أنه كان أيام أبيه عبد الرحمن المنصور طفلا، ومع ذلك فلقد أسبغ عليه والده لقب الحجابة، ولقبه بسيف الدولة، وكان منذ مصرع أبيه قد غادر قرطبة سراً، وسار إلى سرقسطة، وأقام بها في كنف صاحبها منذر ابن يحيى التجيبي، فلما اختاره الفتيان العامريون زعيماً لهم، غادر سرقسطة، ولحق بشاطبة، حيث أعلنت بيعته، وذلك في سنة ٤١١ هـ (١٠٢١ م). وفي رواية أخرى أن سليمان بن الحكم المستعين، حينما ولي الخلافة لأول مرة، عمل على رد اعتبار بني عامر، فدفن شلو عبد الرحمن المنصور بالتكريم، وآوى ولده الطفل عبد العزيز، وابن عمه الطفل محمد بن عبد الملك تحت رعايته، فبقيا في كنفه وقتاً قصيراً، حتى خلع، واسترد محمد بن هشام الخلافة. فعندئذ غادر الطفلان قرطبة (١). ولسنا نعرف ما هو الدور الذي أداه خيران في اختيار عبد العزيز