للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للزعامة، وهل كان من مؤيديه أم من خصومه. ذلك أنه لم يمض قليل على ذلك حتى اختلف خيران مع عبد العزيز، وأعلن الخروج عليه، وسار من ألمرية إلى مرسية، وهنالك بايع بالزعامة محمداً بن عبد الملك بن المنصور، وهو ابن عم عبد العزيز، وكان قد غادر قرطبة ولجأ إليه، فقدمه وصحبه إلى مرسية، وثار في نفس الوقت أهل شاطبة بعبد العزيز فغادرها سراً إلى بلنسية. وتسمى محمد بالمؤتمن، ثم بالمعتصم. ثم تنكر له خيران، وأخرجه من مرسيه، واستولى الفتيان على أمواله، فسار إلى غرب الأندلس وعاش هنالك حتى توفي (١) وهكذا لم يكن خيران، وهو في عمالته في شرقي الأندلس، دائماً على وفاق مع أصحابه الفتيان العامريين، وكانت علائقه بالأخص سيئة مع مجاهد صاحب دانية، وكانت تقع بينهما المناوشات والمعارك من آن لآخر.

* * *

ولتتبع بعد ذلك حكم خيران في ألمرية، بعد أن فصلنا الحوادث التي خاضها منذ اضطرام الفتنة، والتي تدل في مجموعها على ما كان يتمتع به هذا الزعيم الصقلبي من الحصافة، والإقدام، وقوة العزم.

استقر خيران في ألمرية، وبسط حكمه على أعمالها، وكانت إمارة ألمرية تشمل يومئذ المنطقة الممتدة من شاطىء اسبانيا الشرقي الجنوبي، على هيئة مثلث كبير، غرباً حتى وادي آش وحدود مملكة غرناطة، وشمالا حتى بسطة وجيان، وقد كانا أهم قواعدها بعد ألمرية، وهذا عدا أوريولة ومرسية، وقد كان يحكمهما بالنيابة زهير العامري. وأبدى خيران في ضبط ألمرية وتنظيمها همة فائقة، وحصن ألمرية، وأصلح قصبتها الشهيرة، وزاد فيها حتى غدت من أعظم القصبات الأندلسية، وأودعها أمواله وذخائره، وما زالت أطلالها الماثلة إلى اليوم تشهد بما كانت عليه من الروعة والحصانة. وزاد خيران في قبلة جامع ألمرية زيادة اتسع لها الجامع، وبنى السور الهابط من الجبل إلى البحر، وجعل له أربعة أبواب منها باب يخرج منه إلى بجانة (٢) ونظم خيران جيشه، واستوزر


(١) يراجع في هذه الحوادث أعمال الأعلام ص ٢١٠ و ٢١١، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٢، والبيان المغرب ج ٣ ص ١٦٤. وكذلك: Gaspar Remiro: Historia de Murcia Musulmana (Zaragoza ١٩٠٥) p. ٩٦-٩٨.
(٢) كتاب ترصيع الأخبار للعذري (نصوص عن الأندلس نشرت منه بعناية الدكتور عبد العزيز الأهواني) (مدريد ١٩٦٥) ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>