للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكاتب البليغ أحمد بن عباس بن أبي زكريا، وعامل رعيته بالرفق والعدل، وفي أيامه بلغت ألمرية منتهى العمران والرخاء، وغدت من أمنع وأجمل ثغور الأندلس.

وكان خيران رئيساً وافر الدهاء والشجاعة، والحصافة، وحسن التدبير، وكان بصيراً بالحروب ومكايدها، وقد جرت بينه وبين جيرانه البربر أصحاب غرناطة، وقائع أبدى فيها قوته وصرامته، فهابوه، ولم يفكروا في مناوأته.

وكان فوق ذلك كله متواضعاً زاهداً في الألقاب، فلم يتسم بشىء من تلك الألقاب الضخمة، التي تسمى بها سائر أمراء الطوائف في عهده، واكتفى بما كان يوصف به من " الخليفة " و " الفتى الكبير " (١).

وقد مدحه شاعر العصر الكبير، أبو عمرو أحمد بن درّاج القسطلي، بقصيدته الشهيرة، التي مطلعها:

لك الخير قد أوفى بعهدك خيران ... وبشراك قد وافاك عزٌّ وسلطان

هو النجم لا يدعي إلى الصبح شاهد ... هو النور لا يُبغي على الشمس برهان

إليك شحنّا الفلك تهوى كأنها ... وقد ذعرت عن مغرب الشمس غربان

على لجج خضر إذا هبت الصبا ... ترامى بنا فيها ثبير وثهلان (٢)

وتوفي خيران العامري بألمرية في جمادى الآخرة سنة ٤١٩ هـ (١٠٢٨ م)، فاجتمع في الحال رجال الدولة، وعلى رأسهم الوزير أحمد بن عباس، ونبأهم بأن خيران، قد أوصى قبل وفاته بأن يخلفه أخوه زهير العامري، واتفق الجميع بذلك على تولية زهير. وكان خيران حينما شعر بدنو أجله قد بعث بالفعل يستدعي زهيراً، نائبه في مرسية وجيان، فقدم زهير على عجل، وأدرك خيران قبيل وفاته، فلما توفي قام في الحال مكانه، وتسلم زمام السلطان، ورضي به الناس ورجال الدولة (٣).

وكان زهير ويكنى أبا القاسم، من أهم الفتيان العامريين، وأشدهم بأساً، " وكان شهماً داهية " بعيد النظر، وقد لعب في حوادث الفتنة بقرطبة أدواراً أشرنا إليها في مواضعها، ولما تولى حكم ألمرية اقتفى أثر صاحبه خيران في حسن


(١) أعمال الأعلام ص ٢١٢.
(٢) وردت هذه القصيدة بأكملها في ديوان ابن دراج المنشور بعناية الدكتور محمود علي مكي (دمشق ١٩٦١) ص ٨٦ - ٨٨، ووردت في الذخيرة (القسم الأول المجلد الأول ص ٧٤ - ٧٨)، وكذلك ابن الخطيب في أعمال الأعلام (ص ٢١٢ - ٢١٥) وهي طويلة جداً.
(٣) ابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ٥٢٥ و ٥٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>