للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيرة وحفظ النظام. وهو الذي زاد في المسجد الجامع بألمرية من غربيه وشرقيه وجوفيه، وعظم المسجد بذلك. وبنى السقاية، وكثر الماء في ألمرية. وكان يكرم الفقهاء ويشاورهم في الأمر.

وكانت مملكة ألمرية وقت أن تولى حكمها زهير، تمتد من ألمرية حتى شاطبة، شرقاً، وتمتد شمالا حتى جيّان وبيّاسة، وحتى أعمال طليطلة، ولو أن زهيراً استمع إلى صوت العقل والحكمة، وقنع بتدبير مملكته الكبيرة، لكان له في تاريخ الطوائف شأن آخر، ولكنه كان يقع تحت نفوذ وزيره الكاتب أحمد بن عباس، وقد كان هذا الوزير، بالرغم من صفاته العلمية والأدبية اللامعة، ميالا إلى التهور والمغامرة، وكان يلقى في روع أميره مشاريع خطيرة، ويحرك أطماعه بتحريضه وسيىء نصحه، والظاهر أنه هو الذي بعث إليه فكرة غزو غرناطة، على أثر موت أميرها حبوس بن ماكسن، وتولى ولده باديس الحكم مكانه في سنة ٤٢٨ هـ (١٠٣٧ م). فنظم زهير حملته المشئومة إلى غرناطة، ولم يلتفت إلى ما طلبه إليه باديس وأخوه بُلُقِّين، من تجديد أواصر المودة والصداقة التي كانت معقودة بينه وبين أبيهما حبوس، ثم سار إليها في قواته الكبيرة، وقد أخذه الغرور والعجب، حسبما فصلناه في أخبار غرناطة، وهنالك التقى بقوات باديس في ظاهر قرية ألفنت القريبة من غرناطة، وذلك في آخر شوال سنة ٤٢٩ هـ (١٠٣٨ م) ونشبت بينهما الموقعة الهائلة التي انتهت بهزيمة زهير ومصرعه وتمزيق قواته، وأسر أكابر رجاله، وفي مقدمتهم وزيره ابن عباس، وقد قتله باديس أيضاً بعد ذلك بأسابيع قلائل (١).

فكانت هذه النكبة ضربة أليمة لمملكة ألمرية، وكان من أثرها أن استولى باديس على الجزء الشمالي الغربي من أراضي ألمرية، وفيها مدينة جيان أكبر قواعدها الشمالية.

ولما فقدت ألمرية أميرها ووزيرها على هذا النحو، اجتمع أهلها، وأسندوا رياستهم إلى شيخ الجماعة أبي بكر الرميمي، فتولى شئونها، وضبط النظام والأمن.

ثم كتب أهل ألمرية إلى عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية يستدعونه لحكم مدينتهم. وكان عبد العزيز يعتبر أنه صاحب الحق الشرعي في تراث الفتيان العامريين، وذلك بحق الميراث والولاء باعتبارهم موالي أسرته، وكان مذ هلك


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ١٦٨ - ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>