للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدائحه للمعتصم تمتاز بطرافتها، وبديع تصويرها، وأبو القاسم خلف بن فرج المعروف بالميسر، أصله من إلبيرة، وكان يجيد شعر التهكم اللاذع؛ وابن الحداد الوادي آشي، وقد قضى معظم حياته في بلاط المعتصم، ولكن غضب عليه المعتصم ذات يوم لزلة ارتكبها في شعره، فغادر ألمرية، ولجأ حيناً إلى بلاط المقتدر بن هود بسرقسطة، ثم عاد إلى ألمرية، وكان فضلا عن شاعريته التي تبدو في مدائحه الكثيرة للمعتصم، عالماً بالفلسفة. ومن مديحه للمعتصم قوله من قصيدة طويلة:

لعلك بالوادي المقدس شاطىء ... فكالعنبر الهندي ما أنا واطىء

وإني في رؤياك واجد ريحهم ... فروح الهوى بين الجوانح ناشىء

ولي في السُّرى من نارهم ومنارهم ... هداة حداة والنجوم طوافىء

لذلك ما حنت ركابي وحمحمت ... عِرابي وأوحى سيرها المتباطىء (١)

وقد نوهت الروايات المعاصرة والقريبة من العصر، بحماية المعتصم لدولة الشعر والأدب. فمثلا يقول لنا ابن بسام: " ولم يكن أبو يحيى هذا من ملوك الفتنة، أخلد إلى الدعة، واكتفى بالضيق من السعة. واقتصر على قصر يبنيه، وعلق يقتنيه، وميدان من اللذة يستولي عليه ويبرز فيه. غير أنه كان رحب اللقاء، جزل العطاء، حليماً عن الدماء والدهماء، طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال، ولزمته جملة من فحول شعراء الوقت كأبي عبد الله بن الحداد، وابن عبادة، وابن الشهيد وغيرهم .. ".

ويزيد ابن بسام على ذلك، أن ما خاضه المعتصم من الفتن والحروب مع خصومه من ملوك الطوائف، لم يكن مما يتفق وطبيعته الوادعة، وإنما استدرج إليها، وأكره عليها إكراهاً (٢).

وقد كان المعتصم في الواقع يؤثر العيش الهادىء بقصره الأنيق المشرف على البحر والمسمى، " بالصمادحية " وينفق كثيراً من وقته في المجالس الشعرية والأدبية.


(١) أوردها ابن بسام في الذخيرة - القسم الأول المجلد الثاني ص ٢١٨، وأورد من بعدها قصائد أخرى من مدائحه للمعتصم (ص ٢١٨ - ٢٣٣) وراجع أيضاً نفس المصدر ص ٢٤١ و٢٤٢ وص ٣٧٢ - ٣٨٠.
(٢) الذخيرة القسم الأول المجلد الثاني ص ٢٣٩، والحلة السيراء (دوزي) ص ١٧٢، و (القاهرة) ج ٢ ص ٨٢ و ٨٣، وقلائد العقيان ص ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>