للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تقتصر حماية المعتصم ورعايته على دولة الشعر والأدب، ولكن بلاطه كان في نفس الوقت مقصد المفكرين والعلماء من كل ضرب، ومن هؤلاء أبو عبيد عبد الله البكري أعظم جغرافي الأندلس، وصاحب المعجم الجغرافي اللغوي الشهير، فقد عاش حيناً في ألمرية في كنف المعتصم، وكان صديقه الأثير، وأغدق عليه المعتصم فيض رعايته وصلاته.

وكان بنو صمادح أنفسهم جميعاً من نجوم الشعر والأدب، فقد كان المعتصم، وبنوه معز الدولة ورفيع الدولة ورشيد الدولة من شعراء العصر. ولهم جميعاً آثار شعرية انتهى إلينا الكثير منها. وكانت أم الكرام بنت المعتصم كذلك شاعرة عصرها (١) وكان المعتصم فوق ذلك كله، معنياً بشئون الدين، وإقامة أحكام الشريعة، يعقد المجالس في قصره للمذاكرة، ويجلس يوماً في كل أسبوع للفقهاء والخواص، يتناظرون بين يديه في كتب التفسير والحديث (٢).

واشتهر المعتصم بن صمادح بشعره وطرائفه الأدبية، وقد أورد لنا صاحب الذخيرة ضمن ما أورده من بعض قصائده، الأبيات الغزلية الآتية:

وتحت الغلائل معنى غريب ... شفاء الغليل وبرء العليل

فهل لي من نيله نائل ... ولابن السبيل إليه سبيل

فما لي إلا الهوى متجر ..

. فغير الغواني متاع قليل

فيا ربة الحسن في غاية ... وعصر الشباب وظل المقيل

ذرينى أعانق منك القضيـ ... ـب وأرشف من ثغرك السلسبيل (٣)

ولما تطورت الحوادث، وأدت الفتن والحروب بين ملوك الطوائف، إلى عاقبتها المحتومة، واستأسد عليهم ألفونسو السادس ملك قشتالة، وأخذ يضرب بعضهم ببعض، حتى ظفر بالاستيلاء على طليطلة (صفر ٤٧٨ هـ)، واتجه ملوك الطوائف وفي مقدمتهم المعتمد بن عباد، إلى الاستنصار بأمير المسلمين يوسف


(١) نقل إلينا ابن بسام في الذخيرة كثيراً من قصائدهم (القسم الأول المجلد الثاني ص ٢٤١ - ٢٤٤). وكذلك في المغرب في حلي المغرب ج ٢ ص ١٩٦ - ٢٠٣، وابن الأبار في الحلة السيراء (المخطوط) لوحات ٨٢ و ٨٣ و ٨٤.
(٢) الحلة السيراء (القاهرة) ج ٢ ص ٨٢.
(٣) الذخيرة القسم الأول المجلد الثاني ص ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>