للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن تاشفين المرابطي، لم يكن المعتصم فيما يبدو من المتحمسين لتلك الفكرة ذلك أنه نظراً لموقع مملكته في الطرف الجنوبي في شبه الجزيرة، لم يكن قد آنس بعد خطر النصارى الداهم، كما آنسه ابن عباد وابن الأفطس، وكان فضلا عن ذلك يشعر كما يشعر معظم أمراء الطوائف بما يقترن بمقدم المرابطين إلى شبه الجزيرة من الاحتمالات الخطيرة (١). ومع ذلك فإن المعتصم، حينما عبر أمير المسلمين إلى الأندلس في شهر ربيع الآخر سنة ٤٧٩هـ (١٠٨٦ م) لم يتقاعس عن المساهمة في القوات الأندلسية التي حشدت للتعاون مع الجيش المرابطي، وذلك حسبما نفصل بعد في موضعه، ثم إنه بعد ذلك تقرب من أمير المسلمين يوسف بالهدايا والتحف الجليلة، والتلطف في خدمته، حتى قربه إليه وأغدق عليه عطفه. وكان يوسف يبدي عطفه وتقديره بالأخص لرجلين من أمراء الطوائف هما المعتصم والمعتمد بن عباد، وكان يقول عنهما لأصحابه إنهما رجلا الجزيرة. ويقول لنا عبد الواحد المراكشي، إن المعتصم وابن عباد كان يشعر كل منهما نحو الآخر بعاطفة من المرارة والتحاسد، وأنهما حاولا غير مرة أن يتصافيا باللقاء، وأن المعتمد زار المعتصم بقصره بألمرية، واحتفل المعتصم بإكرامه أعظم احتفال، ومع ذلك فقد لبث الضغن كامناً في نفسيهما. فلما شعر المعتصم بتمكن منزلته لدى أمير المسلمين فيما بعد، أخذ يدس لديه في حق المعتمد، ويحاول أن يغير نفسه عليه، وقد كان في ذلك فاسد التدبير قصير النظر، حسبما أثبتت الحوادث فيما بعد (٢).

ولم يشهد المعتصم موقعة الزلاّقة، معتذراً لدى أمير المسلمين بضعفه وكبر سنه، ولكن قواته ساهمت فيها بقيادة ولده معز الدولة. واستمر المعتصم بعد ذلك في الحكم بضعة أعوام أخرى. وكان ألفونسو السادس بعد هزيمته المروعة في الزلاقة، قد استطاع أن ينهض من عثارها بسرعة، وتحول عدوانه عندئذ إلى شرقي الأندلس، حيث كان الضعف يسود الإمارات الأندلسية الصغيرة.

وكانت القوات القشتالية، قد رابطت في حصن لييط (٣) المنيع الواقع فيما بين مرسية ولورقة، وأخذت ترهق الأنحاء القريبة بغاراتها المتوالية، وكان أمير المسلمين قد


(١) راجع كتاب التبيان ص ١٠٤. وراجع كذلك دوزي: Hist., V.III.p. ١٢٤
(٢) راجع المعجب ص ٧٣ و ٧٤.
(٣) هو بالإسبانية Alédo، وما زالت أطلال هذا الحصن قائمة حتى اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>