للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هزم البلنسيين هزيمة شديدة في موقعة بطرنة (٤٥٧ هـ - ١٠٦٥ م)، وعلى أثر ذلك نفذ المأمون بن ذي النون مشروعه لانتزاع بلنسية من صهره، زوج ابنته عبد الملك المظفر، فدخل بلنسية على أثر ارتحال القشتاليين عنها، وقبض على عبد الملك وولده، ونفاهما إلى إحدى قلاعه، وضمت بلنسية عندئذ إلى مملكة طليطلة.

وهنا ألفى أبو عبد الرحمن بن طاهر، الفرصة سانحة للاستقلال التام عن حكومة بلنسية وإنهاء ولائه الاسمى لها، وسار في حكم مرسية وأعمالها أميراً مطلقاً لها. وكانت إمارة مرسية تشمل عندئذ مدينة أوريولة المنيعة، الواقعة في شمالها الشرقي، وكذلك بلدة مولة الواقعة في شمالها الغربي تجاه أوريولة، وإلش وكتندة. بيد أنها لم تكن تشمل لورقة الواقعة في جنوبها الغربي، وقد كانت لورقة مثل مرسية في البداية تابعة لمملكة ألمرية، بيد أنها انفصلت عن ألمرية على يد ابن شبيب الثائر بها في سنة ٤٤٣ هـ (١٠٥١ م)، وحكمها ابن شبيب المذكور، واخوته الثلاثة من بعده، بالتعاقب، واعترف آخرهم بطاعة ابن عباد صاحب إشبيلية، حسبما ذكرنا في موضعه، واستمرت لورقة بذلك طوال هذه المدة منفصلة عن حكومة مرسية (١).

وكما أن أبا عبد الرحمن، كان قرين أبيه في السراوة والقوة والحزم، فكذلك كان قرينه في العلم والأدب، بل كان يفوقه في ذلك المضمار. وقد كان أبو عبد الرحمن بن طاهر في الواقع من أعظم علماء الأندلس وكتابها في عصره، وقد أشاد معاصره ابن بسام بذكره وذكر أدبه في الذخيرة، وشبهه في أسلوبه بالصاحب بن عباد بالمشرق، ونوه بروعة رسائله ونبلها، ولاسيما رسائله الهزلية، فإنه يتقدم فيها على الجماعة، ثم وضع عنه كتاباً ضمنه رسائله في إعلام رؤساء الأندلس بخلاصه من محنة اعتقاله (حسبما نذكر بعد)، وشكر ابن عبد العزيز صاحب بلنسية على السعي في إنقاذه منها، وهي عدة من الرسائل البارعة، ضمها ابن بسام مع سواها من رسائله في كتاب عنوانه "سلك الجواهر من نوادر وترسيل ابن طاهر". ويشير إليه ابن عبد الملك في ترجمته بقوله: " وكان أحد المتقدمين في البلاغة، بارع الكتابة، فصيحاً، خطيباً، وكانت أيامه أيام عدل وأفضال،


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٢، وراجع: Gaspar Remiro: Murcia Musulmana, p.١٠٥

<<  <  ج: ص:  >  >>