للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودفع باس، وتسويغ آمال ". ويقول لنا ابن الأبار، إنه كان من أهل العلم والأدب البارع، يتقدم رؤساء عصره في البيان والبلاغة (١).

ويصفه ابن الخطيب بقوله: " وكان صدر زمانه، والمثل السائر في بلاغته وبيانه ". وكان أسلوب ابن طاهر يميل إلى الدعابة. " وأجود رسائله ما اشتمل على الهزل لميل طبعه إليه ". وكان بلاط مرسية في عهده منتجع الأدباء والشعراء، يقصدون إليه، ويلتفون حوله، ويغمرونه بمدائحهم، فيغمرهم برعايته وصلاته.

وكان ممن وفد عليه بمرسية الوزير الشاعر ابن عمار، وزير المعتمد، وفد عليه أيام خموله، فأثابه، ودرس ابن عمار يومئذ أحوال مرسية، ووقف على قصور معداتها الدفاعية، ثم دبر مشروعه لافتتاحها فيما بعد (٢).

- ٢ -

واستمر أبو عبد الرحمن بن طاهر أميراً على مرسية زهاء خمسة عشر عاماً، يتسم عهده بالسلم والرخاء. بيد أنه كان ثمة بعض العناصر الناقمة من خصوم ابن طاهر يسعون إلى نكبته وإسقاطه. وكانت حدود مملكة إشبيلية الكبرى قد امتدت يومئذ، بعد استيلاء أميرها المعتمد بن عباد على قرطبة وجيان، حتى نهر شقورة ومدينة لورقة القريبة من مرسية. وكان زعيم لورقة ابن شبيب قد اعترف بطاعة المعتمد، وأضحى سلطان المعتمد في هذه الأنحاء يهدد مملكة مرسية بطريق مباشر، فكتب الناقمون من أهل مرسية إلى ابن عباد يدعونه لافتتاحها (٣)، ويؤكدون له ضعف وسائلها الدفاعية، وهذا إيضاح لمشروع المعتمد في فتح مرسية. وهناك إيضاح آخر خلاصته أن صاحب هذا المشروع هو أبو بكر ابن عمار وزير المعتمد، وأنه كان يضطرم برغبة خفية في الحصول على السلطان والإمارة، أو على حد قول ابن بسام: " كان يطلب سلطاناً ينثر في يديه سلكه، وملكاً يخلع على عطفيه ملكه ". ويؤيد ابن الأبار هذه الرواية ويقول لنا إن ابن عمار


(١) ابن عبد الملك في " الذيل والتكملة " - المجلد الرابع من مخطوط المكتبة الوطنية بباريس. وابن الأبار في الحلة السيراء (القاهرة) ج ٢ ص ١١٨.
(٢) الذخيرة، القسم الثالث - المخطوط - لوحة ٩٥، والحلة السيراء ص ١٨٨ و ١٨٩، وأعمال الأعلام ص ٢٠١.
(٣) أعمال الأعلام ص ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>