قد أشار على المعتمد بفتح مرسية (١). وعلى أي حال فقد اعتزم المعتمد أن يسعى إلى فتح مرسية، وعهد إلى وزيره القوي الماكر ابن عمار، أن يقوم بتنفيذ المشروع. واتباعاً للخطة التي كانت سائدة يومئذ بين ملوك الطوائف في الاستعانة بالأمراء النصارى، على مشاريعهم الباغية، بعث المعتمد وزيره ابن عمار، إلى الكونت رامون برنجير أمير برشلونة، ومر الوزير الماكر في طريقه بمرسية، فأكرم ابن طاهر منزله. والظاهر أن ابن عمار كان يرمي من وراء هذه الزيارة إلى دراسة أحوال مرسية الدفاعية، وإلى الاتصال سراً ببعض الزعماء الناقمين خصوم ابن طاهر. ولما وصل ابن عمار إلى برشلونة عقد مع أميرها الكونت برنجير اتفاقاً على أن يؤدي له المعتمد عشرة آلاف مثقال من الذهب، لقاء معاونته على فتح مرسية، وأن يقدم كل من الطرفين إلى الآخر رهينة بالوفاء. وتنفيذاً لهذا الاتفاق قدم المعتمد ولده الرشيد، وقدم الكونت ابن أخيه، وبعث المعتمد بقسم من قواته صوب مرسية بقيادة ابن عمار، ولحقت بها قوة جهزها الكونت برنجير، وطوقت القوات المتحدة مدينة مرسية، ولكن ابن عباد لم يسعف برنجير بأداء المال المطلوب، فارتاب في الأمر، واعتقد أنه قد غرر به، وانسحب بقواته عن المدينة المحصورة، بعد أن قبض على ابن عمار، وعلى الرشيد ولد المعتمد.
وكان المعتمد بن عباد يسير عندئذ بقواته صوب مرسية، وكان قد وصل إلى مقربة من شقورة، حينما وفد إليه رسل ابن عمار مع بعض الهاربين من جنده من حملة مرسية، وأعلموه بما حدث، فارتد بقواته إلى جيان، ووضع ابن أخي الكونت برنجير، المودع لديه رهينة، في الأصفاد، ثم وقعت المفاوضات بين الفريقين، وانتهى المعتمد بأداء المال المطلوب للكونت، وأفرج عن ابن عمار والرشيد، وأفرج المعتمد من جانبه عن ابن أخي الكونت.
بيد أن إخفاق هذه الحملة الأولى على مرسية لم يثن ابن عمار عن عزمه، فما زال بالمعتمد يحثه على إعداد حملة ثانية، ويؤكد له أنه تلقى رسائل كثيرة من أهل مرسية يدعونه لافتتاحها، حتى نزل المعتمد أخيراً على رغبته، وجهز له حملة قوية، وعينه حاكماً لمرسية، وسائر البلاد التي يفتتحها.
وسار ابن عمار في قواته إلى مرسية، واصطحب معه حين مروره بقرطبة،