للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَرية من الفرسان، أمده بها حاكمها الفتح ولد المعتمد، ومر في طريقه بحصن بلج، فاحتفى به حاكمه عبد الرحمن بن رشيق، وصحبه في قواته إلى مرسية، فندبه ابن عمار للقيادة، وعاد إلى إشبيلية. وكان ابن رشيق رجلا وافر الدهاء، والمقدرة، وكانت له أطماع دفينة يخفيها تحت ثوب من الرياء والخديعة. وطوقت جند ابن عباد مرسية، وشددت الحصار عليها. واستطاع ابن رشيق أن يحقق نجاحه الأول، بالاستيلاء على بلدة مولة الواقعة في شمالها الغربي، والتي كانت تمدها بالأقوات والمؤن. وعندئذ انهار خط مرسية الدفاعي، واشتد بداخلها الضيق والحرمان، واستمر ابن رشيق في إرهاقه للمدينة المحصورة، وفي تحريض أهلها على الوثوب بابن طاهر، وأخيراً عاونه بعض الخونة من أوليائه على فتح بعض أبواب المدينة، وانتهى الأمر بسقوطها على هذا النحو في أيدي جند ابن عباد، وذلك في سنة ٤٧١ هـ (١٠٧٨ م) (١).

ودخل ابن رشيق مرسية، وقبض على أبي عبد الرحمن بن طاهر وألقاه إلى السجن، وأعلن بيعة المعتمد، وكتب إلى بن عمار بالفتح. فسار ابن عمار من فوره إلى المدينة المفتوحة، التي عين حاكماً لها من قبل، وتقرب من أهلها بالهدايا ولين القول. بيد أنه جنح غير بعيد إلى تحقيق فكرة كانت تخالجه من قبل، وهو أن يستأثر بحكم هذه المدينة النائية، البعيدة عن متناول أميره، ويغدو كباقي الرؤساء أميراً مستقلا، وأخذ بالفعل في تنفيذ فكرته، فتجاهل رغبات ابن عباد وأوامره، وتصرف في سائر الأمور تصرف الحاكم المستقل، وبدا نداً لأميره السابق، أو على قول ابن بسام: " وقعد له مقعد الرؤساء، وخاطب سلطانه مخاطبة الأكفاء، مستظهراً بجر الأذيال، وإفساد قلوب الرجال، معتقداً أن الرياسة كأس يشربها، وفلاة ينتجعها ". وأخذ فضلا عن ذلك يدس لأمراء تلك النواحي، ويوقع بينهم، ويحرض أهل بلنسية بنوع خاص، على الوثوب


(١) راجع في حوداث فتح مرسية: أعمال الأعلام ص ١٦٠ و ١٦١، وعبد الواحد المراكشي في المعجب ص ٦٥، ودوزي عن الشلبي في: Hist.Abbadidarum.V.II.p. ٨٦ & ٨٧
و Histdes Musulmans d'Espagne; V.III.p. ١٠٨-١٠٩
وكذلك: M.Gaspar Remiro: Murcia Musulmana, p. ١٠٩-١١٠
و R.M.Pidal: La Espana del Cid; p. ٢٥٩ & ٢٨١
و A.P.Ibars: Valencia Arabe, p. ١٨٩-١٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>