للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أي حال فقد كان مجاهد عند اضطرام الفتنة، إلى جانب واضح وخيران وزهير، وغيرهم من أكابر الفتيان أو الزعماء العامريين، اندمج في زمرتهم، واشترك معهم في بعض الأحداث التي أعقبت الفتنة، وشاطرهم خطتهم في النزوح إلى شرقي الأندلس. ويقول لنا ابن خلدون إن مجاهداً غادر قرطبة عند مقتل الخليفة محمد بن هشام المهدي في أواخر سنة ٤٠٠ هـ (١٠١٠ م)، وإنه سار عندئذ إلى طرطوشة، فتملكها، ثم سار منها إلى دانية. وكان مجاهد كباقي الفتيان العامريين، من شيعة الخليفة المؤيد بالله، والخلافة الأموية بوجه عام، وقد حارب معهم إلى جانب الخليفة المرتضي بالله ضد البربر والقاسم بن حمود، في الموقعة التي هزم فيها المرتضي ولقي مصرعه، وذلك في سنة ٤٠٩ هـ (١٠١٩ م) (١).

بيد أنه توجد رواية أخرى عن تغلب مجاهد على دانية خلاصتها، أنه كان عند انهيار الخلافة واضطرام الفتنة، والياً على الجزائر الشرقية، وكان يشغل هذا المنصب منذ أيام المنصور بن أبي عامر، فلما تمخضت الفتنة عن تمزق الأندلس، سار من الجزائر إلى دانية، وتملكها، وأقام بها دولته (٢).

وتقول بعض الروايات أيضاً إن مجاهداً، كان وقت اضطرام الفتنة قائماً بشئون بلنسية، فثار به عبدان من العبيد أو الفتيان العامريين، هما مبارك ومظفر، واستطاعا أن ينتزعا منه السلطة، فخرج مجاهد من بلنسية إلى دانية وتغلب عليها.

والظاهر من مقارنة الروايات المختلفة أن مجاهداً نزل أولا في دانية، وغلب عليها، ثم وثب منها على الجزائر الشرقية (جزائر البليار) وتملكها، وذلك في أواخر سنة ٤٠٥ هـ (أوائل ١٠١٥ م). وتتكون الجزائر الشرقية من أربع جزائر هي مِنُورقة، وميورقة وهي أكبرها، وبها مدينة ميورقة وهي عاصمة الجزائر كلها، ويابسة، وفرمنتيرا، وهي أصغرها. وهنا وقبل أن نتتبع أخبار مجاهد، يجب أن نذكر واقعة تدعو إلى التأمل، وهو أن مجاهداً ندب إلى معاونته في الحكم فقيهاً ورعاً هو أبو عبد الله بن عبيد الله بن الوليد ويعرف بالمعيطي، وكان المعيطي هذا ينتمي إلى بني أمية، وهو من أشراف قرطبة وفقهائها البارزين، وكان ممن أزعجته الفتنة، فغادرها إلى شرقي الأندلس. والظاهر أن مجاهداً كان


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٤.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>